للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا تَخْرِقُ بِمَشْيِكَ أَدِيمَ الْأَرْضِ، وَلَا تَبْلُغُ بِتَطَاوُلِكَ فِي مَشْيِكَ طُولَ الْجِبَالِ، فَمَاذَا يُغْرِيكَ بِهَذِهِ الْمِشْيَةِ.

وَالْخَرْقُ: قَطْعُ الشَّيْءِ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْأَدِيمِ، فَخَرْقُ الْأَرْضِ تَمْزِيقُ قشر التُّرَاب.

وَالْكَلَام مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّغْلِيظِ بِتَنْزِيلِ الْمَاشِي الْوَاطِئِ الْأَرْضَ بِشِدَّةِ مَنْزِلَةِ مَنْ يَبْتَغِي خَرْقَ وَجْهِ الْأَرْضِ وَتَنْزِيلِهِ فِي تَطَاوُلِهِ فِي مَشْيِهِ إِلَى أَعْلَى مَنْزِلَةِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَبْلُغَ طُولَ الْجِبَالِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّهَكُّمِ التَّشْنِيعُ بِهَذَا الْفِعْلِ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ فَسَادٌ فِي خُلُقِ صَاحِبِهِ وَسُوءٌ فِي نِيَّتِهِ وإهانة للنَّاس بِإِظْهَار الشفوف عَلَيْهِمْ وَإِرْهَابِهِمْ بِقُوَّتِهِ.

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ رَأَى غُلَامًا يَتَبَخْتَرُ فِي مِشْيَتِهِ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ الْبَخْتَرَةَ مِشْيَةٌ تُكْرَهُ إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» يَعْنِي لِأَنَّهَا يُرْهِبُ بِهَا الْعَدُوَّ إِظْهَارًا لِلْقُوَّةِ عَلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ فِي الْجِهَادِ.

وَإِظْهَارُ اسْمِ (الْأَرْضِ) فِي قَوْلِهِ: لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ دُونَ إِضْمَارٍ لِيَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ مُسْتَقِلًّا عَنْ غَيْرِهِ جَارِيًا مجْرى الْمثل.

[٣٨]

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٣٨]

كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨)

تَذْيِيلٌ لِلْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الْإِسْرَاء: ٢٣] بِاعْتِبَارِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ التَّحْذِيرَاتِ وَالنَّوَاهِي. فَكُلُّ جُمْلَةٍ فِيهَا أَمْرٌّ هِيَ مُقْتَضِيَةٌ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، وَكُلُّ جُمْلَةٍ فِيهَا نَهْيٌ هِيَ مُقْتَضِيَةٌ شَيْئًا مَنْهِيًّا عَنْهُ، فَقَوْلُهُ: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ يَقْتَضِي عِبَادَةً مَذْمُومَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا، وَقَوْلُهُ: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الْإِسْرَاء:

٢٣] يَقْتَضِي إِسَاءَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَيِّئَةً- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَبَهَاءِ تَأْنِيثٍ فِي آخِرِهِ، وَهِيَ ضِدُّ الْحَسَنَةِ.