للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانُوا يَتَفَرَّقُونَ رَابِعَ أَيَّامِ مِنَى فَيَرْجِعُونَ إِلَى مَكَّةَ لِزِيَارَةِ الْبَيْتِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَرْجِعُ كُلُّ فَرِيقٍ إِلَى مَوْطِنِهِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَذْكُرُ التَّفَرُّقَ يَوْمَ رَابِعِ النَّحْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْمُحَصَّبِ فِي مِنَى:

فَلِلَّهِ عَيْنَا مَنْ رَأَى مِنْ تَفَرُّقٍ ... أَشَتَّ وَأَنْأَى مِنْ فِرَاقِ الْمُحَصَّبِ

غَدَاةَ غَدَوْا فَسَالِكٌ بَطْنَ نَخْلَةٍ ... وَآخَرُ مِنْهُمْ جَازِعٌ نَجْدَ كَبْكَبِ

وَقَالَ كُثَيِّرٌ:

وَلَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجَةٍ ... وَمَسَّحَ بِالْأَرْكَانِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ

وَشُدَّتْ عَلَى دَهَمِ الْمَهَارَى رِحَالُنَا ... وَلَمْ يَنْظُرِ الْغَادِي الَّذِي هُوَ رَائِحُ

أَخَذْنَا بِأَطْرَافِ الْأَحَادِيثِ بَيْنَنَا ... وَسَالَتْ بِأَعْنَاقِ الْمَطِيِّ الْأَبَاطِحُ

وَالْمَعْنَى لِيَكُنْ ذِكْرُكُمُ اللَّهَ وَدُعَاؤُكُمْ فِي أَيَّامِ إِقَامَتِكُمْ فِي مِنَى، وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ الثَّلَاثَةُ الْمُوَالِيَةُ لِيَوْمِ الْأَضْحَى، وَأَقِيمُوا فِي مِنَى تِلْكَ الْأَيَّامَ فَمن دَعَتْهُ حاجاته إِلَى التَّعْجِيلِ بِالرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ مِنَى وَهُمَا الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالثَّالِثَ عشر مِنْهُ.

[٢٠٤- ٢٠٦]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ٢٠٤ إِلَى ٢٠٦]

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا [الْبَقَرَة: ٢٠٠] إِلَخْ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَالِكَ حَالَ الْمُشْرِكِينَ الصُّرَحَاءَ الَّذِينَ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَقَابَلَ ذِكْرَهُمْ بِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَهُمْ رَغْبَةٌ فِي الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَانْتَقَلَ هُنَا إِلَى حَالِ فَرِيقٍ آخَرِينَ مِمَّنْ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَهُمْ مُتَظَاهِرُونَ بِأَنَّهُمْ رَاغِبُونَ فِيهَا، مَعَ مُقَابَلَةِ حَالِهِمْ بِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْخَالِصِينَ الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ الْآخِرَةَ وَالْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ عَلَى الْحَيَاة فِي الدُّنْيَا، وَهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [الْبَقَرَة: ٢٠٧] .

وَ (مِنْ) بِمَعْنَى بَعْضٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ [الْبَقَرَة: ٨]

فَهِيَ صَالِحَةٌ