للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالنَّصْرِ فِي تِلْكَ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخَارِجِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَقْطَارِ النَّائِيَةِ وَالْأَعْمَالِ الْقَائِمِ بِهَا غَيْرُهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَعْدَائِهِ بِنَصْرِ أَتْبَاعِهِ وَخَذْلِ أَعْدَائِهِ.

فَالسُّلْطَانُ: اسْمُ مَصْدَرٍ يُطْلَقُ عَلَى السُّلْطَةِ وَعَلَى الْحُجَّةِ وَعَلَى الْمُلْكِ. وَهُوَ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ أَوْ هُوَ مِنْ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ، تَشْمَلُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ اللَّهُ تَأْيِيدًا وَحُجَّةً وَغَلَبَةً وَمُلْكًا عَظِيمًا، وَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَنَصَرَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَسَخَّرَ لَهُ مَنْ لَمْ يُنَوِّهْ بِنُهُوضِ الْحُجَّةِ وَظُهُورِ دَلَائِلِ الصِّدْقِ، وَنَصْرِهِ بِالرُّعْبِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ الْمدْخل والمخرج بِأَنَّ الْمُخْرَجَ الْإِخْرَاجُ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ وَالْمُدْخَلَ الْإِدْخَالُ إِلَى بَلَدِ مَكَّةَ فَاتِحًا، وَجَعَلَ الْآيَةَ نَازِلَةً قُبَيْلَ الْفَتْحِ، فَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَهُوَ مَدْخُولٌ مِنْ جِهَاتٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا مَكِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَالنَّصِيرُ: مُبَالَغَةٌ فِي النَّاصِرِ، أَيْ سُلْطَانا ينصرني. وَإِذ قَدْ كَانَ الْعَمَلُ الْقَائِمُ بِهِ النَّبِيءُ هُوَ الدَّعْوَةَ إِلَى الْإِسْلَامِ كَانَ نَصْرُهُ تَأْيِيدًا لَهُ فِيمَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ، فَصَارَ هَذَا الْوَصْفُ تَقْيِيدًا لِلسُّلْطَانِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ سُلْطَانًا لِلِاسْتِعْلَاءِ عَلَى النَّاسِ، وَإِنَّمَا سَأَلَ سُلْطَانًا لِنَصْرِهِ فِيمَا يَطْلُبُ النُّصْرَةَ وَهُوَ التَّبْلِيغُ وَبَثُّ الْإِسْلَامِ فِي النَّاس.

[٨١]

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٨١]

وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١)

أَعْقَبَ تَلْقِينَهُ الدُّعَاءَ بِسَدَادِ أَعْمَالِهِ وَتَأْيِيدِهِ فِيهَا بِأَنْ لَقَّنَهُ هَذَا الْإِعْلَانَ الْمُنْبِئَ بِحُصُولِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ الْمُلْهَمَةِ بِإِبْرَازِ وَعْدِهِ بِظُهُورِ أَمْرِهِ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ عَنْ شَيْءٍ مَضَى.

وَلَمَّا كَانَتْ دَعْوَةُ الرَّسُولِ هِيَ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ كَانَ الْوَعْدُ بِظُهُورِ الْحَقِّ وَعْدًا بِظُهُورِ أَمْرِ الرَّسُولِ وَفَوْزِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَاسْتَحْفَظَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْجَلِيلَةَ إِلَى أَنْ أَلْقَاهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى مَسَامِعِ مَنْ كَانُوا أَعْدَاءَهُ