وَالتَّفْصِيلُ: التَّوْضِيحُ وَالْبَيَانُ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفَصْلِ بِمَعْنَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الشَّيْءِ وَغَيْرِهِ بِمَا يُمَيِّزُهُ، فَصَارَ كِنَايَةً مَشْهُورَةً عَنِ الْبَيَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَصْلِ الْمَعَانِي. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٥٥] .
وَنَظِيرُهُ: الْفَرْقُ، كَنَّى بِهِ عَنِ الْبَيَانِ فَسُمِّيَ الْقُرْآنُ فُرْقَانًا. وَعَنِ الْفَصْلِ فَسُمِّيَ يَوْمُ بَدْرٍ يَوْمَ الْفَرْقَانِ، وَمِنْهُ فِي ذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدُّخان: ٤] .
و (ثمَّ) لِلتَّرَاخِي فِي الرُّتْبَةِ كَمَا هُوَ شَأْنُهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ لِمَا فِي التَّفْصِيلِ مِنَ الِاهْتِمَامِ لَدَى النُّفُوسِ لِأَنَّ الْعُقُولَ تَرْتَاحُ إِلَى الْبَيَانِ وَالْإِيضَاحِ.
ومِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَيْ مِنْ عِنْدِ الْمَوْصُوفِ بِإِبْدَاعِ الصُّنْعِ لِحِكْمَتِهِ، وَإِيضَاحِ التَّبْيِينِ لِقُوَّةِ عِلْمِهِ. وَالْخَبِيرُ: الْعَالِمُ بِخَفَايَا الْأَشْيَاءِ، وَكُلَّمَا كَثُرَتِ الْأَشْيَاءُ كَانَتِ الْإِحَاطَةُ بِهَا أَعَزَّ، فَالْحَكِيمُ مُقَابِلٌ لِ أُحْكِمَتْ، وَالْخَبِيرُ مُقَابِلٌ لِ فُصِّلَتْ. وَهُمَا وَإِنْ كَانَا مُتَعَلِّقَ الْعِلْمِ وَمُتَعَلِّقَ الْقُدْرَةِ إِذِ الْقُدْرَةُ لَا تَجْرِي إِلَّا عَلَى وِفْقِ الْعِلْمِ، إِلَّا أَنَّهُ رُوعِيَ فِي الْمُقَابَلَةِ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ أَشَدُّ تَبَادُرًا فِيهِ لِلنَّاسِ مِنَ الْآخَرِ وَهَذَا مِنْ بليغ المزاوجة.
[٢]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ٢]
أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢)
(أَنْ) تَفْسِيرِيَّةٌ لِمَا فِي مَعْنَى أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [هود: ١] مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَقْوَالٍ مُحْكَمَةٍ وَمُفَصَّلَةٍ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أُوحِيَ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَفْسِيرِيَّةٌ لِمَا أُحْكِمَ مِنَ الْآيَاتِ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَإِيجَابِ عِبَادَةِ اللَّهِ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ الَّتِي ثَبَتَتْ لِلَّهِ تَعَالَى بِالدَّلِيلِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَفَرَّعُ عَنْهُ جَمِيعُ التَّفَاصِيلِ، وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute