للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ عُرْضَةٌ لِنَسْخِ دِينِهِمْ بِدِينِ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَإِعْدَادًا لَهُمْ لِتَلَقِّي نَسْخٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِدِينٍ آخَرَ يَكُونُ شِعَارُهُ يَوْمًا آخَرَ غَيْرَ السَّبْتِ وَغَيْرَ الْأَحَدِ. فَهَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ الَّذِي بِهِ يَظْهَرُ انْتِسَاقُ الْآيِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ.

وبَيْنَهُمْ ظَرْفٌ لِلْحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ «يَحْكُمُ» ، أَيْ حُكْمًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ. وَلَيْسَتْ بَيْنَهُمْ لِتَعْدِيَةِ «يَحْكُمُ» إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ هُنَا.

[١٢٥]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ١٢٥]

ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥)

ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

يَتَنَزَّلُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِقَوْلِهِ: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [سُورَة النَّحْل: ١٢٣] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنَ اتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَدِينُ الْإِسْلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدِ الْحَنِيفِيَّةِ، فَلَا جَرَمَ كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَعْوَتِهِ النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ دَاعِيًا إِلَى اتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ.

وَمُخَاطَبَةُ اللَّهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْأَمْرِ فِي حِينِ أَنَّهُ دَاعٍ إِلَى الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقٌ لِأَصُولِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي طَلَبِ الدَّوَامِ عَلَى الدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْهِدَايَةِ إِلَى طَرَائِقِ الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ.

فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَثْبِيتَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الدَّعْوَةِ وَأَنْ لَا يُؤَيِّسَهُ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ لَهُ

إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ [سُورَة النَّحْل: ١٠١] وَقَوْلُهُمْ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [سُورَة النَّحْل:

١٠٣] وَأَنْ لَا يَصُدَّهُ عَنِ الدَّعْوَةِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَهْدِي الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ. ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَتْرُكُوا حِيلَةً يحسبونها تثبّط النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَعْوَتِهِ إِلَّا أَلْقَوْا بِهَا إِلَيْهِ مِنْ:

تَصْرِيحٍ بِالتَّكْذِيبِ، وَاسْتِسْخَارٍ، وَتَهْدِيدٍ، وَبَذَاءَةٍ، وَاخْتِلَاقٍ، وَبُهْتَانٍ، كَمَا ذَلِكَ مَحْكِيٌّ فِي تَضَاعِيفِ