للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَنْبِئَةُ الْإِنْسَانِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ كِنَايَةٌ عَنْ مُجَازَاتِهِ عَلَى مَا فَعَلَهُ: إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ سُوءًا فَسُوءٌ، إِذْ يُقَالُ لَهُ: هَذَا جَزَاءُ الْفِعْلَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَيَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ فِعْلَتَهُ وَيَلْقَى جَزَاءَهَا، فَكَانَ الْإِنْبَاءُ مِنْ لَوَازِمِ الْجَزَاءِ قَالَ تَعَالَى: قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ [التغابن: ٧] وَيَحْصُلُ فِي ذَلِكَ الْإِنْبَاءِ تَقْرِيعٌ وَفَضْحٌ لحاله.

وَالْمرَاد بِمَا قَدَّمَ: مَا فعله وَبِمَا أَخَّرَ

: مَا تَرَكَهُ مِمَّا أُمِرَ بِفِعْلِهِ أَوْ نُهِيَ عَنْ

فِعْلِهِ فِي الْحَالَيْنِ فَخَالَفَ مَا كُلِّفَ بِهِ وَمِمَّا عَلَّمَهُ

النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّعَاءِ: «فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أعلنت»

. [١٤- ١٥]

[سُورَة الْقِيَامَة (٧٥) : الْآيَات ١٤ إِلَى ١٥]

بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥)

إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌ، وَهُوَ لِلتَّرَقِّي من مَضْمُون يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ

[الْقِيَامَة: ١٣] إِلَى الْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْكَافِرَ يَعْلَمُ مَا فَعَلَهُ لِأَنَّهُمْ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، إِذْ هُوَ قَرَأَ كِتَابَ أَعْمَالِهِ فَقَالَ: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ [الحاقة: ٢٥، ٢٦] ، وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً [الْكَهْف: ٤٩] . وَقَالَ تَعَالَى: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الْإِسْرَاء: ١٤] .

وَنَظْمُ قَوْلِهِ: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

صَالِحٌ لِإِفَادَةِ مَعْنَيَيْنِ:

أَوَّلُهُمَا أَنْ يَكُونَ بَصِيرَةٌ

بِمَعْنَى مُبْصِرٍ شَدِيدِ الْمُرَاقَبَةِ فَيَكُونَ بَصِيرَةٌ

خَبَرًا عَنِ الْإِنْسانُ

. وعَلى نَفْسِهِ

مُتَعَلِّقًا بِ بَصِيرَةٌ

، أَيِ الْإِنْسَانُ بَصِيرٌ بِنَفْسِهِ. وَعُدِّي بِحَرْفِ عَلى

لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى الْمُرَاقَبَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً. وَهَاءُ بَصِيرَةٌ

تَكُونُ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلَ هَاءِ عَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ، أَيِ الْإِنْسَانُ عَلِيمٌ بَصِيرٌ قَوِيُّ الْعِلْمِ بِنَفْسِهِ يَوْمَئِذٍ.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَصِيرَةٌ

مُبْتَدَأً ثَانِيًا، وَالْمُرَادُ بِهِ قَرِينُ الْإِنْسَانِ مِنَ الْحَفَظَةِ وَعَلَى نَفْسِهِ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي مُقَدَّمًا عَلَيْهِ، وَمَجْمُوعُ الْجُمْلَةِ خَبَرًا عَنِ الْإِنْسانُ

، وبَصِيرَةٌ

حِينَئِذٍ يُحْتَمَلُ أَن يكون بِمَعْنى بَصِيرٍ، أَيْ مُبْصِرٍ