فَأَصْلُ وَزْنِ ذَوَات فَعلَات ثُمَّ صَارَ وَزْنُهُ بَعْدَ الْقَلْبِ فَعَاتٍ، وَهُوَ مِمَّا أُلْحِقَ بِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ لِأَنَّ تَاءَهُ فِي الْمُفْرَدِ أَصْلُهَا هَاءٌ، وَأَمَّا تَاؤُهُ فِي الْجَمْعِ فَهِيَ تَاءٌ صَارَتْ عِوَضًا عَنِ الْهَاءِ الَّتِي فِي الْمُفْرَدِ عَلَى سُنَّةِ الْجَمْعِ بِأَلف وتاء.
[١٧]
[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ١٧]
ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧)
اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ [سبأ: ١٦] فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الِاعْتِرَاضِ.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ نَائِبًا عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُبَيِّنِ لِنَوْعِ الْجَزَاءِ، وَهُوَ مِنَ الْبَيَانِ بِطْرِيقِ الْإِشَارَةِ، أَيْ جَزَيْنَاهُمُ الْجَزَاءَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّبْدِيلِ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ. وَتَقْدِيمُهُ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِشِدَّةِ ذَلِكَ الْجَزَاءِ.
وَاسْتِحْضَارُهُ بِاسْمِ الْإِشَارَة لما فِيهَا مِنْ عَظَمَةِ هَوْلِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْإِشَارَةِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَتَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ إِلَى قَوْلِهِ: مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ [سبأ: ١٦] وَيَكُونُ جُمْلَةُ جَزَيْناهُمْ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ وَالرَّابِطُ ضَمِيرٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: جَزَيْنَاهُمُوهُ.
وَالْبَاءُ فِي بِما كَفَرُوا للسبيبة و (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ.
وَالْكُفْرُ هُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ، أَيْ إِنْكَارُ إِلَهِيَّتِهِ لِأَنَّهُمْ عَبْدَةُ الشَّمْسِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي وَهَلْ يُجَازَى إِنْكَارِيٌّ فِي مَعْنَى النَّفْيِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ.
والْكَفُورَ: الشَّدِيدُ الْكُفْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ وَيَعْبُدُونَ الشَّمْسَ فَهُمْ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ.
وَالْمَعْنَى: مَا يُجَازَى ذَلِكَ الْجَزَاءُ إِلَّا الْكَفُورُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَزَاءَ عَظِيمٌ فِي نَوْعِهِ، أَيْ نَوْعِ الْعُقُوبَاتِ فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ مِنْ جِنْسِ الْجَزَاءِ. وَالْمَثُوبَةَ مِنْ جِنْسِ الْجَزَاءِ فَلَمَّا قِيلَ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ: وَهَلْ يُجَازَى مِثْلَ جَزَائِهِمْ إِلَّا الْكَفُورُ، فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْكَفُورِ لَا يُجَازَى عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا أَنَّ الثَّوَابَ لَا يُسَمَّى جَزَاءً وَلَا أَنَّ الْعَاصِيَ الْمُؤْمِنَ لَا يُجَازَى عَلَى مَعْصِيَتِهِ، لِأَنَّ تِلْكَ التَّوَهُّمَاتِ