للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْنَى: وَتَزُولُ قُوَّتُكُمْ وَنُفُوذُ أَمْرِكُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّنَازُعَ يُفْضِي إِلَى التَّفَرُّقِ، وَهُوَ يُوهِنُ أَمْرَ الْأُمَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَعْنَى الْفَشَلِ.

ثُمَّ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ يَعُمُّ نَفْعُهُ الْمَرْءَ فِي نَفْسِهِ وَفِي عَلَاقَتِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِمُ الْأُمُورَ الْأَرْبَعَةَ، الَّتِي أُمِرُوا بِهَا آنِفًا فِي قَوْلِهِ: فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَفِي قَوْلِهِ:

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا الْآيَةَ. أَلَا وَهُوَ الصَّبْرُ، فَقَالَ: وَاصْبِرُوا لِأَنَّ الصَّبْرَ هُوَ تَحَمُّلُ الْمَكْرُوهِ، وَمَا هُوَ شَدِيدٌ عَلَى النَّفْسِ، وَتِلْكَ الْمَأْمُورَاتُ كُلُّهَا تَحْتَاجُ إِلَى تَحَمُّلِ الْمَكَارِهِ، فَالصَّبْرُ يَجْمَعُ تَحَمُّلَ الشَّدَائِدِ وَالْمَصَاعِبِ، وَلِذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ: وَاصْبِرُوا بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ إِيمَاءٌ إِلَى مَنْفَعَةٍ لِلصَّبْرِ إِلَهِيَّةٍ، وَهِيَ إِعَانَةُ اللَّهِ لِمَنْ صَبَرَ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ فِي تَصَرُّفَاتِ الْحَيَاةِ كُلِّهَا.

وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ قَائِمَةٌ مَقَامَ التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ، لِأَنَّ حَرْفَ التَّأْكِيدِ فِي مِثْلِ هَذَا قَائِمٌ مُقَامَ فَاءِ التَّفْرِيعِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِع.

[٤٧]

[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : آيَة ٤٧]

وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧)

جُمْلَةُ: وَلا تَكُونُوا مَعْطُوفَةٌ عَلَى وَلا تَنازَعُوا [الْأَنْفَال: ٤٦] عَطْفَ نَهْيٍ عَلَى نَهْيٍ.

وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جملَة فَاثْبُتُوا [الْأَنْفَال: ٤٥] عَطْفَ نَهْيٍ عَلَى أَمْرٍ، إِكْمَالًا لِأَسْبَابِ النَّجَاحِ وَالْفَوْزِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، بِأَنْ يَتَلَبَّسُوا بِمَا يُدْنِيهِمْ مِنَ النَّصْرِ، وَأَنْ يَتَجَنَّبُوا

مَا يُفْسِدُ إِخْلَاصَهُمْ فِي الْجِهَادِ.

وَجِيءَ فِي نَهْيِهِمْ عَنِ الْبَطَرِ وَالرِّئَاءِ بِطَرِيقَةِ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْمُشْرِكِينَ إِدْمَاجًا لِلتَّشْنِيعِ بِالْمُشْرِكِينَ وَأَحْوَالِهِمْ، وَتَكْرِيهًا لِلْمُسْلِمِينَ تِلْكَ الْأَحْوَالَ، لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الذَّمِيمَةَ تَتَّضِحُ مَذَمَّتُهَا، وَتَنْكَشِفُ مَزِيدَ الِانْكِشَافِ إِذَا كَانَتْ مِنْ أَحْوَالِ قَوْمٍ مَذْمُومِينَ