وَالرَّحْمَةُ، أُرِيدَ بِهَا: رَحْمَةُ الدُّنْيَا. وَأُطْلِقَتْ عَلَى أَثَرِهَا وَهُوَ النِّعْمَةُ كَالصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ وَالْعَافِيَةِ، وَالْمُرَادُ النِّعْمَةُ السَّابِقَةُ قَبْلَ نُزُولِ الضُّرِّ.
والنزع حَقِيقَته: خلق الثَّوْبِ عَنِ الْجَسَدِ. وَاسْتُعْمِلَ هُنَا فِي سَلْبِ النِّعْمَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ، وَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِحَرْفِ (مِنْ) دُونَ (عَنْ) لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى السَّلْبِ وَالِافْتِكَاكِ، فَذِكْرُ (مِنْ) تَجْرِيدٌ لِلْمَجَازِ.
وَجُمْلَة إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ جَوَابُ الْقَسَمِ، وَجُرِّدَتْ مِنَ الِافْتِتَاحِ بِاللَّامِ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ وَبِلَامِ الِابْتِدَاءِ فِي خَبَرِ (إِنَّ) . وَاسْتُغْنِيَ بِجَوَابِ الْقَسَمِ عَنْ جَوَابِ الشَّرْطِ الْمُقَارِنِ لَهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْكَلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى شَرْطٍ وَقَسَمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ [هود: ٨] إِلَى آخِره.
واليؤوس وَالْكَفُورُ مِثَالَا مُبَالَغَةٍ فِي الْآيِسِ وَكَافِرِ النِّعْمَةِ، أَيْ جَاحِدِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْكَفُورِ: مُنْكِرُ نِعْمَةِ اللَّهِ لِأَنَّهُ تَصْدُرُ مِنْهُ أَقْوَالٌ وَخَوَاطِرُ مِنَ السُّخْطِ عَلَى مَا انْتَابَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يُنْعِمْ عَلَيْهِ قَطُّ.
وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِاللَّامِ الْمُوطِئَةِ لِلْقِسْمِ وَبِحَرْفِ التَّوْكِيدِ فِي جُمْلَةِ جَوَابِ الْقَسَمِ لِقَصْدِ تَحْقِيقِ مَضْمُونِهَا وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ ثَابِتَةٌ لَا مُبَالَغَةَ فِيهَا وَلَا تَغْلِيب.
[١٠]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ١٠]
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَتْمِيمٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا حَكَتْ حَالَةً ضِدَّ الْحَالَةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ جُمْلَةُ قَسَمٍ وَشَرْطٍ وَجَوَابُ قَسَمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهَا.
وَضَمِيرُ أَذَقْناهُ الْمَنْصُوبُ عَائِدٌ إِلَى الْإِنْسَانِ فَتَعْرِيفُهُ كَتَعْرِيفِ مَعَادِهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute