يَطْمَئِنُّوا مِنْ أَنْ يُسَلِّطَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَإِنْ قَبَعُوا فِي دِيَارِهِمْ.
وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِ وَاعْلَمُوا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يَحِقُّ وَعْيُهُ، وَالتَّدَبُّرُ فِيهِ، كَقَوْلِهِ:
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٢٤] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ.
وَالْمُعْجِزُ اسْمُ فَاعِلٍ، مِنْ أَعْجَزَ فُلَانًا إِذَا جَعَلَهُ عَاجِزًا عَنْ عَمَلٍ مَا، فَلِذَلِكَ كَانَ بِمَعْنَى الْغَالِبِ وَالْفَائِتِ، الْخَارِجِ عَنْ قُدْرَةِ أَحَدٍ، فَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ غَيْرُ خَارِجِينَ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ أَمَّنَكُمْ وَإِذَا شَاءَ أَوْقَعَكُمْ فِي الْخَوْفِ وَالْبَأْسِ.
وَعُطِفَ قَوْلُهُ: وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ عَلَى قَوْلِهِ: أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ
فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عَمَلِ وَاعْلَمُوا فَمَقْصُودٌ مِنْهُ وَعْيُهُ وَالْعِلْمُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
وَكَانَ ذِكْرُ الْكافِرِينَ إِخْرَاجًا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ: لِأَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّ اللَّهَ مُخْزِيكُمْ، وَوَجْهُ تَخْرِيجِهِ عَلَى الْإِظْهَارِ الدّلَالَة على سبيبة الْكُفْرِ فِي الْخِزْيِ.
وَالْإِخْزَاءُ: الْإِذْلَالُ. وَالْخِزْيُ- بِكَسْرِ الْخَاءِ- الذُّلُّ وَالْهَوَانُ، أَيْ مُقَدِّرٌ لِلْكَافِرِينَ الْإِذْلَالَ: بِالْقَتْلِ، وَالْأَسْرِ، وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، مَا دَامُوا مُتَلَبِّسِينَ بِوَصْفِ الْكُفْرِ.
[٣]
[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٣]
وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣)
وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التَّوْبَة: ١] وَمَوْقِعُ لَفْظِ أَذانٌ كَمَوْقِعِ لفظ بَراءَةٌ [التَّوْبَة: ١] فِي التَّقْدِيرِ، وَهَذَا إِعْلَامٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَهُمْ عَهْدٌ بِأَنَّ عَهْدَهُمُ انْتُقِضَ.
وَالْأَذَانُ اسْمُ مَصْدَرِ آذَنَهُ، إِذَا أَعْلَمَهُ بِإِعْلَانٍ، مِثْلَ الْعَطَاءِ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ، وَالْأَمَانِ بِمَعْنَى الْإِيمَانِ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِيذَانِ.