[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : الْآيَات ٧٤ إِلَى ٧٥]
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَلَامًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
[الْإِسْرَاء: ٧٣] بِنَاءً عَلَى مَا نَحَوْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ. وَهَذِهِ مِنَّةٌ أُخْرَى وَمَقَامٌ آخَرُ مِنْ مَقَامِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِجَاهَ الْمُشْرِكِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَكْمِلَةِ مَا قَبْلَهُ فَيَكُونُ الرُّكُونُ إِلَيْهِمْ رُكُونًا فِيمَا سَأَلُوهُ مِنْهُ عَلَى نَحْوِ مَا سَاقَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَ (لَوْلَا) حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ، أَيْ يَقْتَضِي امْتِنَاعًا لِوُجُودٍ، أَيْ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ جَوَابِهِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، أَيْ بِسَبَبِ وُجُودِ شَرْطِهِ.
وَالتَّثْبِيتُ: جَعْلُ الشَّيْءِ ثَابِتًا، أَيْ مُتَمَكِّنًا مِنْ مَكَانِهِ غَيْرَ مُقَلْقَلٍ وَلَا مَقْلُوعٍ، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ لِلْبَقَاءِ عَلَى حَالِهِ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٥] .
وَعُدِّيَ التَّثْبِيتُ إِلَى ضَمِيرِ النَّبِيءِ الدَّالِّ عَلَى ذَاتِهِ. وَالْمُرَادُ تَثْبِيتُ فَهْمِهِ وَرَأْيِهِ، وَهَذَا مِنَ الْحُكْمِ عَلَى الذَّاتِ. وَالْمُرَادُ بَعْضُ أَحْوَالِهَا بِحَسَبِ دَلَالَةِ الْمَقَامِ، مِثْلُ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النِّسَاء: ٢٣] . فَالْمَعْنَى: وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَا رَأْيَكَ فَأَقْرَرْنَاهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي مُعَامَلَةِ الْمُشْرِكِينَ لَقَارَبْتَ أَنْ تَرْكَنَ إِلَيْهِمْ.
وَاللَّامُ فِي لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَامَ جَوَابِ (لَوْلَا) ، وَهِيَ مُلَازِمَةٌ لِجَوَابِهَا لِتَحْقِيقِ الرَّبْطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرْطِ.
وَالْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي مَوْقِعِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الرُّكُونَ مُجْمَلٌ فِي أَشْيَاءَ هِيَ مَظِنَّةُ الرُّكُونِ وَلَكِنَّ الرُّكُونَ مُنْتَفٍ مِنْ أَصْلِهِ لِأَجْلِ التَّثْبِيتِ بِالْعِصْمَةِ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute