وَجُمْلَةُ لَقَدْ أَحْصاهُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا، مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ لِتَهْدِيدِ الْقَائِلِينَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ. فَضَمَائِرُ الْجَمْعِ عَائِدَةٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً وَمَا بَعْدَهُ. وَلَيْسَ عَائِدًا عَلَى مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ لَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ كُلَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَعَدَّهُمْ فَلَا يَنْفَلِتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ عِقَابِهِ.
وَمَعْنَى وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً إِبْطَالُ مَا لِأَجْلِهِ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، لِأَنَّهُمْ زَعَمُوا ذَلِكَ مُوجب عِبَادَتهم للْمَلَائكَة وَالْجِنَّ لِيَكُونُوا شُفَعَاءَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَأَيْأَسَهُمُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُفْرَدًا لَا نَصِيرَ لَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ:
وَيَأْتِينا فَرْداً. وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ آتُونَ لِمَا يَكْرَهُونَ مِنَ الْعَذَابِ وَالْإِهَانَةِ إِتْيَانَ الْأَعْزَلِ إِلَى مَنْ يَتَمَكَّنُ من الانتقام مِنْهُ.
[٩٦]
[سُورَة مَرْيَم (١٩) : آيَة ٩٦]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦)
يَقْتَضِي اتِّصَالَ الْآيَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فِي الْمَعَانِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَصَفٌ لِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِضِدِّ حَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَيَكُونُ حَالُ إِتْيَانِهِمْ غَيْرَ حَالِ انْفِرَادٍ بَلْ حَالُ تَأَنُّسِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.
وَلَمَّا خُتِمَتِ الْآيَةُ قَبْلَهَا بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ آتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُفْرَدِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ مُشْعِرًا بِأَنَّهُمْ آتُونَ إِلَى مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَمَنَّى الْمُوَرَّطُ فِيهِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُ وَيَنْصُرُهُ، وَإِشْعَارُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، أَعْقَبَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ، وَأَنَّهُمْ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ يَوْمَئِذٍ بِمَقَامِ الْمَوَدَّةِ وَالتَّبْجِيلِ. فَالْمَعْنَى: سَيجْعَلُ لَهُم الرحمان أَوِدَّاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute