تَكْرِيرِهِمُ الشُّكْرَ كَانَتْ إِفَادَةُ التَّعْجِيبِ مِنْ عَدَمِ الشُّكْرِ مِنْ أَصْلِهِ بِالْفَحْوَى وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً [يس: ٧٤] .
[٧٤، ٧٥]
[سُورَة يس (٣٦) : الْآيَات ٧٤ إِلَى ٧٥]
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً [يس: ٧١] ، أَيْ أَلَمْ يَرَوْا دَلَائِلَ الْوَحْدَانِيَّةِ وَلَمْ يَتَأَمَّلُوا جَلَائِلَ النِّعْمَةِ، وَاتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ الْمُنْعِمِ وَالْمُنْفَرِدِ بِالْخَلْقِ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ عَطْفًا عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ الْمُفَرَّعَتَيْنِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْإِخْبَارِ
بِاتِّخَاذِهِمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ التَّعْجِيبُ مِنْ جَرَيَانِهِمْ عَلَى خِلَافِ حَقِّ النِّعْمَةِ ثُمَّ مُخَالَفَةِ مُقْتَضَى دَلِيلِ الْوَحْدَانِيَّةِ الْمُدْمَجِ فِي ذِكْرِ النِّعَمِ.
وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْجَلَالَةِ الْعَلَمِ دُونَ ضَمِيرِ إِظْهَارٍ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ اسْمُهُ الْعَلَمُ مِنْ عَظَمَةِ الْإِلَهِيَّةِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ اتِّخَاذَهُمْ آلِهَةً مِنْ دُونِهِ جَرَاءَةٌ عَظِيمَةٌ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ [يس: ٧٦] أَيْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا مَا هُوَ أَشَدُّ نُكْرًا.
وَأَمَّا الْإِضْمَارُ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [٣] : وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ فَلِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ انْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ صَرِيحًا مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [الْفرْقَان: ٢] .
وَقَوْلُهُ: لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ وَقَعَتْ (لَعَلَّ) فِيهِ مَوْقِعًا غَيْرَ مَأْلُوفٍ لِأَنَّ شَأْنَ (لَعَلَّ) أَنْ تُفِيدَ إِنْشَاءَ رَجَاءِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ هُنَا. وَقَدْ أَغْفَلَ الْمُفَسِّرُونَ التَّعَرُّضَ لِتَفْسِيرِهِ، وَأَهْمَلَهَ عُلَمَاءُ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ مِنِ اسْتِعْمَالِ (لَعَلَّ) ، فَيَتَعَيَّنُ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ (لَعَلَّ) تَمْثِيلِيَّةً مَكْنِيَّةً بِأَنْ شُبِّهَ شَأْنُ اللَّهِ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِحَالِ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute