اخْتِلَافًا عِلْمِيًّا فَرْعِيًّا، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا اخْتِلَافًا يَنْقُضُ أُصُولَ دِينِهِمْ بَلْ غَايَةُ الْكُلِّ الْوُصُولُ إِلَى الْحَقِّ مِنَ الدِّينِ، وَخِدْمَةُ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، فَبَنُو إِسْرَائِيلَ عَبَدُوا الْعِجْلَ وَالرَّسُولُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَعَبَدُوا آلِهَةَ الْأُمَمِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَالنَّصَارَى عَبَدُوا مَرْيَمَ وَالْمَسِيحَ، وَنَقَضُوا أُصُولَ التَّوْحِيدِ، وَادَّعَوْا حُلُولَ الْخَالِقِ فِي الْمَخْلُوقِ. فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ لَمَّا قَالَ أَحَدُ أَهْلِ التَّصَوُّفِ مِنْهُمْ كَلَامًا يُوهِمُ الْحُلُولَ حَكَمَ علماؤهم بقتْله.
[٢٠]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٢٠]
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [آل عمرَان: ١٩] الْآيَةَ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ قَدْ أَنْكَرُوهُ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي أَدْيَانِهِمْ يُفْضِي بِهِمْ إِلَى مُحَاجَّةِ الرَّسُولِ فِي تَبْرِيرِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى أَقَلِّ مِمَّا جَاءَ بِهِ دِينُ الْإِسْلَامِ.
وَالْمُحَاجَّةُ مفاعلة وَلم يجىء فِعْلُهَا إِلَّا بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ. وَمَعْنَى الْمُحَاجَّةِ الْمُخَاصَمَةُ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ فِعْلِ حَاجَّ فِي معنى المخاطمة بِالْبَاطِلِ: كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَحاجَّهُ قَوْمُهُ [الْأَنْعَام: ٨٠] وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٥٨] .
فَالْمَعْنَى: فَإِن خاصموك خَاصم مُكَابَرَةٍ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ.
وَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ حَاجُّوكَ عَائِدٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ، بَلْ مَعْلُومٌ مِنَ الْمَقَامِ، وَهُوَ مَقَامُ نُزُولِ السُّورَةِ، أَعْنِي قَضِيَّةَ وَفْدِ نَجْرَانَ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ اهْتَمَّوْا بِالْمُحَاجَّةِ حِينَئِذٍ. فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَقَدْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَهُمْ وَبَين النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَانْقَطَعَتْ مُحَاجَّتُهُمْ، وَأَمَّا الْيَهُودُ فَقَدْ تَظَاهَرُوا بِمُسَالَمَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَدِينَة.
وَقد لَقَّنَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يُجِيبَ مُجَادَلَتَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَالْوَجْهُ أُطْلِقَ عَلَى النَّفْسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الْقَصَص: ٨٨] أَيْ ذَاتَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute