وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [الْبَقَرَة: ٢٣١] وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٦٤] .
وَجُمْلَةُ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْأُمِّيِّينَ، أَيْ لَيْسَتْ نِعْمَةُ إِرْسَالِ هَذَا الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ قَاصِرَةً عَلَى رَفْعِ النَّقَائِصِ عَنْهُمْ وَعَلَى تَحْلِيَتِهِمْ بِكَمَالِ عِلْمِ آيَاتِ اللَّهِ وَزَكَاةِ أَنْفُسِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ بَلْ هِيَ أَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ إِذْ كَانَتْ مُنْقِذَةً لَهُمْ مِنْ ضَلَالٍ مُبِينٍ كَانُوا فِيهِ وَهُوَ ضَلَالُ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ. وَإِنَّمَا كَانَ ضَلَالًا مُبِينًا لِأَنَّهُ أَفْحَشُ ضَلَالٍ وَقَدْ قَامَتْ عَلَى شَنَاعَتِهِ الدَّلَائِلُ الْقَاطِعَةُ، أَيْ فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الضَّلَالِ الْمُبِينِ إِلَى أَفْضَلِ الْهُدَى، فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ نَفَرُوا إِسْلَامَهُمْ فِي وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ.
وإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَهِيَ مُهْمَلَةٌ عَنِ الْعَمَلِ فِي اسْمِهَا وَخَبَرِهَا. وَقَدْ سَدَّ مَسَدَّهَا فِعْلُ (كَانَ) كَمَا هُوَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِ إِنْ الْمُخَفَّفَةِ. وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ تُسَمَّى اللَّامَ الْفَارِقَةَ، أَيِ الَّتِي تُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ (إِنِ) النَّافِيَةِ وإِنْ الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَمَا هِيَ إِلَّا اللَّامُ الَّتِي أَصْلُهَا أَنْ تَقْتَرِنَ بِخَبَرِ (إِنَّ) إِذِ الْأَصْلُ: وَإِنَّهُمْ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، لَكِنَّ ذِكْرَ اللَّامِ مَعَ الْمُخَفَّفَةِ وَاجِبٌ غَالِبًا لِئَلَّا تَلْتَبِسَ بِالنَّافِيةِ، إِلَّا إِذَا أَمن اللّبْس.
[٣]
[سُورَة الْجُمُعَة (٦٢) : آيَة ٣]
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)
لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَآخَرِينَ عَطْفًا على الْأُمِّيِّينَ [الْجُمُعَة: ٢] لِأَنَّ آخَرِينَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ لِمَا يُقَابِلُهُ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَى غَيْرِ الْأُمِّيِّينَ، أَيْ غَيْرِ الْعَرَب وَالرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ غَيْرِ الْعَرَبِ فَتَعَيَّنَ أَنْ لَا يُعْطَفَ وَآخَرِينَ عَلَى الْأُمِّيِّينَ لِئَلَّا يَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ
بَعَثَ مجرور القي وَلَا عَلَى الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: مِنْهُمْ كَذَلِكَ.
فَهُوَ إِمَّا مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي عَلَيْهِمْ من قَوْله: يَتْلُوا عَلَيْهِمْ [الْجُمُعَة: ٢] وَالتَّقْدِيرُ: وَيَتْلُو عَلَى آخَرِينَ وَإِذَا كَانَ يَتْلُو عَلَيْهِمْ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَيْهِمْ لِأَنَّ تِلَاوَة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُونُ إِلَّا تِلَاوَةَ تَبْلِيغٍ لِمَا أَوْحَى بِهِ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute