وَالْإِغْشَاءُ: وَضْعُ الْغِشَاءِ. وَهُوَ مَا يُغَطِّي الشَّيْءَ. وَالْمُرَادُ: أَغْشَيْنَا أَبْصَارَهُمْ، فَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَأَكَّدَهُ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ: فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ. وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ لِإِفَادَةِ تَقَوِّي الْحُكْمِ، أَيْ تَحْقِيقِ عدم إبصارهم.
[١٠]
[سُورَة يس (٣٦) : آيَة ١٠]
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لَا يُبْصِرُونَ [يس: ٩] ، أَيْ إِنْذَارُكَ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ، فَحَرْفُ (عَلَى) مَعْنَاهُ الِاسْتِعْلَاءُ الْمَجَازِيُّ وَهُوَ هُنَا الملابسة، مُتَعِلِّقٌ بِ سَواءٌ الدَّالِّ عَلَى مَعْنَى (اسْتَوَى) ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَهَمْزَةُ التَّسْوِيَةِ أَصْلُهَا الِاسْتِفْهَامُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ فِي التَّسْوِيَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ، وَشَاعَ ذَلِكَ حَتَّى عُدَّتِ التَّسْوِيَةُ مِنْ مَعَانِي الْهَمْزَةِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي ذَلِكَ مَعَ كَلِمَةِ سَوَاءٍ وَهِيَ تُفِيدُ الْمَصْدَرِيَّةَ. وَلِمَّا اسْتُعْمِلَتِ الْهَمْزَةُ فِي مَعْنَى التَّسْوِيَةِ اسْتُعْمِلَتْ أَمْ فِي مَعْنَى الْوَاوِ، وَقَدْ جَاءَ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقِيِّ قَوْلُ بُثَيْنَةَ:
سَوَاءٌ عَلَيْنَا يَا جَمِيلُ بْنَ مَعْمَرٍ ... إِذَا مِتَّ بَأْسَاءُ الْحَيَاةِ وَلِينُهَا
وَجُمْلَةُ لَا يُؤْمِنُونَ مُبِيِّنَةٌ اسْتِوَاءَ الْإِنْذَارِ وَعَدَمِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم.
[١١]
[سُورَة يس (٣٦) : آيَة ١١]
إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)
لَمَّا تَضَمَّنَ قَوْلُهُ: وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [يس: ١٠] أَنَّ الْإِنْذَارَ فِي جَانِبِ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ هُوَ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَكَانَ ذَلِكَ قَدْ يُوهِمُ انْتِفَاءَ الْجَدْوَى مِنَ الْغَيْرِ وَبَعْضٍ مِنْ فَضْلِ أَهَلِ الْإِيمَانِ أَعْقَبَ بِبَيَانِ جَدْوَى الْإِنْذَارِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنِ اتَّبَعَ الذّكر وخشي الرحمان بِالْغَيْبِ.
والذِّكْرَ الْقُرْآنُ.
وَالِاتِّبَاعُ: حَقِيقَتُهُ الِاقْتِفَاءُ وَالسَّيْرُ وَرَاءَ سَائِرٍ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْإِقْبَالِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute