للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّيْءِ وَالْعِنَايَةِ بِهِ لِأَنَّ الْمُتَّبِعَ شَيْئًا يَعْتَنِي بِاقْتِفَائِهِ، فَاتِّبَاعُ الذِّكْرِ تَصْدِيقُهُ وَالْإِيمَانُ بِمَا فِيهِ لِأَنَّ التَّدَبُّرَ فِيهِ يُفْضِي إِلَى الْعَمَلِ بِهِ، كَمَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ إِيمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ وَجَدَ لَوْحًا فِيهِ سُورَةُ طه عِنْدَ أُخْتِهِ فَأَخَذَ يَقْرَأُ وَيَتَدَبَّرُ فَآمَنَ.

وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُعْرِضُونَ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَيَصُدُّونَ النَّاسَ عَنْ سَمَاعِهِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبِيٍّ ابْنِ سَلُولَ فِي مَبْدَأِ حُلُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِمَجْلِسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبِيٍّ فَنَزَلَ فَسَلَّمَ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبِيٍّ: يَا هَذَا إِنَّه لَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِكَ إِنْ كَانَ حَقًّا، فَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَحَدِّثْهُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِكَ فَلَا تَغُتَّهُ بِهِ» . وَلَمَّا كَانَ الْإِقْبَالُ عَلَى سَمَاعِ الْقُرْآنِ مُفْضِيًا إِلَى

الْإِيمَانِ بِمَا فِيهِ لِأَنَّهُ يُدَاخِلُ الْقَلْبَ كَمَا قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ «إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ» . أُتْبِعَتْ صِلَةُ اتَّبَعَ الذِّكْرَ بِجُمْلَةِ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنِ اتِّبَاعِ الذِّكْرِ أَكْمَلَ أَنْوَاعِهِ الَّذِي لَا يَعْقُبُهُ إِعْرَاضٌ فَهُوَ مُؤَدٍّ إِلَى امْتِثَالِ الْمُتَّبِعِينَ مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.

وخشية الرحمان: تَقْوَاهُ فِي خُوَيْصَّةِ أَنْفُسِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهِمْ وَبِشَأْنِ الْإِنْذَارِ، فَهَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ [يس: ٧] وَهُوَ بَقِيَّةُ تَفْصِيلِ قَوْلِهِ: لِتُنْذِرَ قَوْماً [يس: ٦] . وَالْغَرَضُ تَقْوِيَةُ دَاعِيَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِنْذَارِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى الَّذِينَ قَبِلُوا نِذَارَتَهُ فَآمَنُوا.

فَمَعْنَى فِعْلِ تُنْذِرَ هُوَ الْإِنْذَارُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ مِنَ الْخَشْيَةِ وَالِامْتِثَالِ، كَأَنَّهُ قِيلَ:

إِنَّمَا تُنْذِرُ فَيَنْتَذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ، أَيْ مِنْ ذَلِكَ شَأْنُهُمْ لِأَنَّهُمْ آمَنُوا وَيَتَّقُونَ.

وَالتَّعْبِيرُ بِفِعْلِ الْمُضِيِّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَحْقِيقِ الِاتِّبَاعِ وَالْخَشْيَةِ. وَالْمُرَادُ: ابْتِدَاءُ الِاتِّبَاعِ.

ثُمَّ فُرِّعَ عَلَى هَذَا التَّنْوِيهِ الْأَمْرُ بِتَبْشِيرِ هَؤُلَاءِ بِمَغْفِرَةِ مَا كَانَ مِنْهُم فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا يَقْتَرِفُونَ مِنَ اللَّمَمِ.

وَالْجَمْعُ بَيْنَ تُنْذِرُ وَ «بَشِّرْ» فِيهِ مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ، مَعَ بَيَانِ أَنَّ أَوَّلَ أَمْرِهِمُ الْإِنْذَارُ وَعَاقِبَتَهُ التَّبْشِيرُ.