[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٤]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)
تَفْرِيعٌ عَلَى الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ، أَيْ فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ أَوْ أَتَيْتُمْ بِمَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ سُورَةٌ وَلَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ شُهَدَاؤُكُمْ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمُ اجْتَرَأْتُمْ عَلَى اللَّهِ بِتَكْذِيبِ رَسُولِهِ الْمُؤَيَّدِ بِمُعْجِزَةِ الْقُرْآنِ فَاتَّقُوا عِقَابَهُ الْمُعَدَّ لِأَمْثَالِكُمْ.
وَمَفْعُولُ تَفْعَلُوا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ أَيِ الْإِتْيَانَ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ فِي مِثْلِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [٦٧] .
وَجِيءَ بِإِنِ الشَّرْطِيَّةِ الَّتِي الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ الْقَطْعِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ فِعْلِهِمْ هُوَ الْأَرْجَحُ بِقَرِينَةِ مَقَامِ التَّحَدِّي وَالتَّعْجِيزِ لِأَنَّ الْقَصْدَ إِظْهَارُ هَذَا الشَّرْطِ فِي صُورَةِ النَّادِرِ مُبَالِغَةً فِي تَوْفِيرِ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الْمُعَارَضَةِ بِطَرِيقِ الْمُلَايَنَةِ وَالتَّحْرِيضِ وَاسْتِقْصَاءً لَهُمْ فِي إِمْكَانِهَا وَذَلِكَ مِنِ اسْتِنْزَالِ طَائِرِ الْخَصْمِ وَقَيْدٍ لِأَوَابِدِ مُكَابَرَتِهِ وَمُجَادَلَةٍ لَهُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى إِذَا جَاءَ لِلْحَقِّ وَأَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ يَرْتَقِي مَعَهُ فِي دَرَجَاتِ الْجَدَلِ وَلِذَلِكَ جَاءَ بَعْدَهُ وَلَنْ تَفْعَلُوا كَأَنَّ الْمُتَحَدِّيَ يَتَدَبَّرُ فِي شَأْنِهِمْ، وَيَزِنُ أَمْرَهُمْ فَيَقُولُ أَوَّلًا ائْتُوا بِسُورَةٍ، ثُمَّ يَقُولُ: قَدِّرُوا أَنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهِ وَأَعِدُّوا لَهَاتِهِ الْحَالَةِ مَخْلَصًا مِنْهَا ثُمَّ يَقُولُ: هَا قَدْ أَيْقَنْتُ وَأَيْقَنْتُمْ أَنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهِ، مَعَ مَا فِي هَذَا مِنْ تَوْفِيرِ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الْمُعَارَضَةِ بِطَرِيقِ الْمُخَاشَنَةِ وَالتَّحْذِيرِ.
وَلِذَلِكَ حَسُنَ مَوْقِعُ (لَنْ) الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ فَالنَّفْيُ بِهَا آكَدُ مِنَ النَّفْيِ بِلَا، وَلِهَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ لَا لِنَفْيِ يَفْعَلُ، وَلنْ لِنَفْيِ سَيَفْعَلُ فَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ إِنَّ لَنْ حَرْفٌ مُخْتَزَلٌ مِنْ لَا النَّافِيَةِ وَأَنِ الِاسْتِقْبَالِيَّةِ وَهُوَ رَأْيٌ حَسَنٌ وَإِذَا كَانَتْ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ تَدُلُّ على النَّفْي المؤبد غَالِبًا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوَقَّتْ بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ الْمُسْتَقْبَلِ دَلَّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ أَزْمِنَتِهِ إِذْ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِإِفَادَتِهَا التَّأْبِيدَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَهُوَ التَّأْكِيدُ، وَقَدِ اسْتَقْرَيْتُ مَوَاقِعَهَا فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ فَوَجَدْتُهَا لَا يُؤْتَى بِهَا إِلَّا فِي مَقَامِ إِرَادَةِ النَّفْيِ الْمُؤَكَّدِ أَوِ المؤبد. وَكَلَام الْخَيل فِي أَصْلِ وَضْعِهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ مِنَ النُّحَاةِ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ تَأْكِيدًا وَلَا تَأْبِيدًا فَقَدْ كَابَرَ.
وَقَوْلُهُ: وَلَنْ تَفْعَلُوا مِنْ أَكْبَرِ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا مُعْجِزَةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ: الْأُولَى أَنَّهَا أَثْبَتَتْ أَنَّهُمْ لَمْ يُعَارِضُوا لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَثُ لَهُمْ عَلَى الْمُعَارَضَةِ لَوْ كَانُوا قَادِرِينَ، وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ كُلُّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute