لِلشَّعْبِ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا (وَنُورًا لِلْأُمَمِ) (مُبَشِّرًا) لِنَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ (وَنَفْتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا) لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ (وَآذَانًا صُمًّا) الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ (وَقُلُوبًا غُلْفًا) . أَنَا الرَّبُّ هَذَا اسْمِي وَمَجْدِي لَا أُعْطِيهِ لِآخَرَ» (بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا الله) .
[٤٧]
[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٤٧]
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّا أَرْسَلْناكَ [الْأَحْزَاب: ٤٥] عَطَفَ الْإِنْشَاءَ عَلَى الْخَبَرِ لَا مَحَالَةَ
وَهِيَ أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى صِحَّةِ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ إِذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا تَأْوِيلٌ مِمَّا تَأَوَّلَهُ الْمَانِعُونَ لِعَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ وَهُمُ الْجُمْهُور والزمخشري والتفتازانيّ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ:
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي سُورَةِ الصَّفِّ [١١- ١٣] ، فَالْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا إِخْبَارٌ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ مُتَلَبِّسًا بِتِلْكَ الصِّفَات الْخمس. وَهَذَا أَمَرٌ لَهُ بِالْعَمَلِ بِصِفَةِ الْمُبَشِّرِ، فَلِاخْتِلَافِ مَضْمُونِ الْجُمْلَتَيْنِ عُطِفَتْ هَذِهِ عَلَى الْأُولَى.
وَالْفَضْلُ: الْعَطَاءُ الَّذِي يَزِيدُهُ الْمُعْطِي زِيَادَةً عَلَى الْعَطِيَّةِ. فَالْفَضْلُ كِنَايَةٌ عَنِ الْعَطِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فَضْلًا إِلَّا إِذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الْعَطِيَّةِ. وَالْمُرَادُ أَنَّ لَهُمْ ثَوَابَ أَعْمَالِهِمُ الْمَوْعُودَ بِهَا وَزِيَادَةً مِنْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قَالَ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يُونُس:
٢٦] .
وَوصف كَبِيراً مُسْتَعَارٌ لِلْفَائِقِ فِي نَوْعِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَالَ لِي أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (١) : هَذِهِ أَرْجَى آيَةٍ عِنْدِي فِي كِتَابِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ قد أَمر نبيئه أَنْ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عِنْدَهُ فَضْلًا كَبِيرًا. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَضْلَ الْكَبِيرَ مَا هُوَ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [الشورى:
٢٢] فَالْآيَةُ الَّتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ خَبَرٌ، وَالْآيَةُ الَّتِي فِي حم عسق تَفْسِيرٌ لَهَا اهـ.
[٤٨]
(١) هُوَ أَبُو بكر بن غَالب بن عَطِيَّة الْقَيْسِي الغرناطي الْمَالِكِي مفتي غرناطة، توفّي بهَا سنة ٥١٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute