للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ مِثْلَهُ عَنْ هُودٍ وَصَالِحٍ، وَقَالَ عَنْ مُوسَى وَهَارُونَ، فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٤٨] ، فَقَدِ ادَّخَرَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ قَوَاطِعَ الْأَدِلَّةِ عَلَى إِبْطَالِ الشِّرْكِ وَشُبَهِ الضَّلَالَةِ بِمَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ خَاتَمَ الرُّسُلِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي أَرْضِكُمْ هَذِهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ» .

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ إِلَخْ: أَنَّ اللَّهَ يُرْسِلُ الرَّسُولَ لِلْقَوْمِ من نوعهم للتمكين مِنْ الْمُخَالَطَةِ لِأَنَّ اتِّحَادَ النَّوْعِ هُوَ قِوَامُ تَيْسِيرِ الْمُعَاشَرَةِ، قَالَ تَعَالَى:

وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا [الْأَنْعَام: ٩] ، أَيْ فِي صُورَةِ رَجُلٍ لِيُمْكِنَ التَّخَاطُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ.

وَجُمْلَةُ يَمْشُونَ وَصْفٌ لِ مَلائِكَةٌ.

ومُطْمَئِنِّينَ حَالٌ. وَالْمُطْمَئِنُّ: السَّاكِنُ. وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا الْمُتَمَكِّنُ غَيْرُ الْمُضْطَرِبِ، أَيْ مَشْيُ قَرَارٍ فِي الْأَرْضِ، أَيْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ قَاطِنُونَ عَلَى الْأَرْضِ غَيْرُ نَازِلِينَ برسالة للرسل لنزلنا عَلَيْهِمْ مَلَكًا.

وَلَمَّا كَانَ الْمَشْيُ وَالِاطْمِئْنَانُ فِي الْأَرْضِ مِنْ صِفَةِ الْإِنْسَانِ آلَ الْمَعْنَى إِلَى: لَوْ كُنْتُمْ مَلَائِكَةً لَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا فَلَمَّا كُنْتُمْ بَشَرًا أَرْسَلَنَا إِلَيْكُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ.

وَمَجِيءُ الْهُدَى هُوَ دَعْوَةُ الرُّسُلِ إِلَى الْهدى.

[٩٦]

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٩٦]

قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦)

بَعْدَ أَنْ خَصَّ الله مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَلْقِينِ الْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلضَّلَالَةِ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِتَلْقِينِهِ أَيْضًا مَا لَقَّنَهُ الرُّسُلَ السَّابِقِينَ مِنْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَى اللَّهِ