للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِطْلَاقُ السَّلَامِ وَالْعَذَاب دون تَقْيِيد بِالدُّنْيَا أَوِ الْآخِرَةِ تَعْمِيمٌ لِلْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ [٢٥، ٢٦] : فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى.

وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَهُمَا بِتَبْلِيغِهِ إِلَى فِرْعَوْنَ، كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى [طه: ٤٩] عَلَى أُسْلُوبِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَوَّلِ الْقِصَّةِ إِلَى هُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي السُّور الْمَاضِيَة.

[٤٩- ٥٠]

[سُورَة طه (٢٠) : الْآيَات ٤٩ إِلَى ٥٠]

قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠)

هَذَا حِكَايَةُ جَوَابِ فِرْعَوْنَ عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ مُوسَى وَهَارُونَ بِإِبْلَاغِهِ فِرْعَوْنَ، فَفِي الْآيَةِ حَذْفُ جُمَلٍ دَلَّ عَلَيْهَا السِّيَاقُ قَصْدًا لِلْإِيجَازِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَأَتَيَاهُ فَقَالَا لَهُ مَا أُمِرَا بِهِ، فَقَالَ: فَمَنْ رَبُّكُمَا؟.

وَلِذَلِكَ جَاءَتْ حِكَايَةُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ بِجُمْلَةٍ مَفْصُولَةٍ عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ الَّتِي اسْتَقْرَيْنَاهَا مِنْ أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ وَبَيَّنَّاهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا.

وَوَجَّهَ فِرْعَوْنُ الْخِطَابَ إِلَيْهِمَا بِالضَّمِيرِ الْمُشْتَرَكِ، ثُمَّ خَصَّ مُوسَى بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ بِالنِّدَاءِ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّ مُوسَى هُوَ الْأَصْلُ بِالرِّسَالَةِ وَأَنَّ هَارُونَ تَابِعٌ لَهُ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَحْتَوِ عَلَيْهِ كَلَامُهُمَا فَقَدْ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِرْعَوْنُ عَلِمَهُ مِنْ كَيْفِيَّةِ دُخُولِهِمَا عَلَيْهِ وَمُخَاطَبَتِهِ، وَلِأَنَّ مُوسَى كَانَ مَعْرُوفًا فِي بَلَاطِ فِرْعَوْنَ لِأَنَّهُ رَبِيُّهُ أَوْ رَبِيُّ أَبِيهِ فَلَهُ سَابِقَةُ اتِّصَالٍ