وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١١٤] . وَالظُّلْمُ الَّذِي أَتَوْهُ هُوَ نِسْبَتُهُمُ الرَّسُولَ إِلَى الِاخْتِلَاقِ فَإِنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى حَقِّهِ الَّذِي هُوَ الصِّدْقُ.
وَالزُّورُ: الْكَذِبُ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الزُّورِ: إِنَّهُ الْكَذِبُ الْمُحَسَّنُ الْمُمَوَّهُ بِحَيْثُ يَشْتَبِهُ بِالصِّدْقِ.
وَكَوْنُ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ كَذِبًا ظَاهِرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْوَاقِعَ فَالْقُرْآنُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْإِفْكِ، وَالَّذِينَ زَعَمُوهُمْ مُعِينِينَ عَلَيْهِ لَا يَسْتَطِيعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامٍ عَرَبِيٍّ بَالِغٍ غَايَةَ الْبَلَاغَةِ وَمُرْتَقٍ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ، وَإِذَا كَانَ لِبَعْضِهِمْ مَعْرِفَةٌ بِبَعْضِ أَخْبَارِ الرُّسُلِ فَمَا هِيَ إِلَّا مَعْرِفَةٌ ضَئِيلَةٌ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ كَشَأْنِ مَعْرِفَةِ الْعَامَّة والدهماء.
[٥]
[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٥]
وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥)
الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَمَدْلُولُ الصِّلَةِ مُرَاعًى فِي هَذَا الضَّمِيرِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ
هَذَا الْقَوْلَ مِنْ آثَارِ كُفْرِهِمْ.
الأساطير: جَمْعُ أُسْطُورَةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ كَالْأُحْدُوثَةِ وَالْأَحَادِيثِ، وَالْأُغْلُوطَةِ وَالْأَغَالِيطِ، وَهِيَ الْقِصَّةُ الْمَسْطُورَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا مُفَصَّلًا عِنْدَ قَوْلِهِ: حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٢٥] . وَقَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ هُوَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْعَبْدَرِيُّ قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ قِصَصٌ مِنْ قِصَصِ الْمَاضِينَ.
وَكَانَ النَّضْرُ هَذَا قَدْ تَعَلَّمَ بِالْحِيرَةِ قِصَصَ مُلُوكِ الْفُرْسِ وَأَحَادِيثَ رُسْتُمَ وَإِسْفِنْدِيَارَ فَكَانَ يَقُولُ لِقُرَيْشٍ: أَنَا وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْ مُحَمَّدٍ فَهَلُمَّ أُحَدِّثْكُمْ وَكَانَ يَقُولُ فِي الْقُرْآنِ: هُوَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ فِي الْقُرْآنِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ قَوْلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَفِي أَوَّلِ سُورَةِ يُوسُفَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute