وَجِيءَ بِحَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى إِحَاطَةِ الشَّكِّ بِنُفُوسِهِمْ وَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: مِنْها بقوله: «بشك» .
وَجُمْلَةُ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ تَذْيِيلٌ. وَالْحَفِيظُ: الَّذِي لَا يَخْرُجُ عَنْ مَقْدِرَتِهِ مَا هُوَ فِي حِفْظِهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْعِلْمَ وَالْقُدْرَة إِذْ بمجموعهما تَتَقَوَّمُ مَاهِيَّةُ الْحِفْظِ وَلِذَلِكَ يُتْبَعُ الْحِفْظُ بِالْعِلْمِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يُوسُف: ٥٥] . وَصِيغَةُ فَعِيلٍ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْفِعْلِ وَأَفَادَ عُمُومُ كُلِّ شَيْءٍ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ مِنَ الْكَائِنَاتِ فَتَنَزَّلَ هَذَا التَّذْيِيلُ مَنْزِلَةَ الِاحْتِرَاسِ عَنْ غَيْرِ الْمَعْنَى الْكِنَائِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ، أَيْ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ لِكُلِّ أَحَدٍ فَتَقُومَ الْحُجَّةُ لَهُم وَعَلَيْهِم.
[٢٢، ٢٣]
[سُورَة سبإ (٣٤) : الْآيَات ٢٢ إِلَى ٢٣]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)
كَانَتْ قِصَّةُ سَبَأٍ قَدْ ضُرِبَتْ مَثَلًا وَعِبْرَةً لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ فِي أَحْوَالِهِمْ مَثِيلٌ لِأَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَمْنِ بِلَادِهِمْ وَتَيْسِيرِ أَرْزَاقِهِمْ وَتَأْمِينِ سُبُلِهِمْ فِي أَسْفَارِهِمْ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً تُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ [الْقَصَص:
٥٧] وَقَوْلُهُ: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ [قُرَيْشٍ: ١] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، ثُمَّ فِيمَا قَابَلُوا بِهِ نِعْمَةَ اللَّهِ بِالْإِشْرَاكِ بِهِ وَكُفْرَانِ نِعْمَتِهِ وَإِفْحَامِهِمْ دُعَاةَ الْخَيْرِ الْمُلْهَمِينَ مِنْ لَدُنْهُ إِلَى دَعْوَتِهِمْ، فَلَمَّا تَقَضَّى خَبَرُهُمْ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إِلَى تَطْبِيقِ الْعِبْرَةِ عَلَى مَنْ قَصَدَ اعْتِبَارَهُمُ انْتِقَالًا مُنَاسَبَتُهُ بَيِّنَةٌ وَهُوَ أَيْضًا عَوْدٌ إِلَى إِبْطَالِ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَسِيقَ لَهُمْ مِنَ الْكَلَامِ مَا هُوَ فِيهِ تَوْقِيفٌ عَلَى أَخْطَائِهِمْ، وَأَيْضًا فَلَمَّا جَرَى مِنِ اسْتِهْوَاءِ الشَّيْطَانِ أَهْلَ سَبَأٍ فَاتَّبَعُوهُ وَكَانَ الشَّيْطَانُ مَصْدَرَ الضَّلَالِ وَعُنْصُرَ الْإِشْرَاكِ أَعْقَبَ ذِكْرَهُ بِذِكْرِ فُرُوعِهِ وَأَوْلِيَائِهِ.
وَافْتَتَحَ الْكَلَامَ بِأَمْرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَا هُوَ مُتَتَابِعٌ فِي بَقِيَّةِ هَذِهِ الْآيَاتِ
الْمُتَتَابِعَةِ بِكَلِمَةِ قُلِ فَأَمَرَ بِالْقَوْلِ تَجْدِيدًا لِمَعْنَى التَّبْلِيغِ الَّذِي هُوَ مُهِمَّةُ كُلِّ الْقُرْآنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute