للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: ادْعُوا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّخْطِئَةِ وَالتَّوْبِيخِ، أَيِ اسْتَمِرُّوا عَلَى دُعَائِكُمْ.

والَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَعْنَاهُ زَعَمْتُمُوهُمْ أَرْبَابًا، فَحُذِفَ مَفْعُولَا الزَّعْمِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَحُذِفَ لِأَنَّهُ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ قَصْدًا لِتَخْفِيفِ الصِّلَةِ بِمُتَعَلِّقَاتِهَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَحَذْفُهُ لِدَلَالَةِ صِفَتِهِ عَلَيْهِ وَهِيَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

ومِنْ دُونِ اللَّهِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: زَعَمْتُمْ أَوْلِيَاءَ.

وَمَعْنَى مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنهم مبتدأون مِنْ جَانِبٍ غَيْرِ جَانِبِ اللَّهِ، أَيْ زَعَمْتُمُوهُمْ آلِهَةً مُبْتَدِئِينَ إِيَّاهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ غَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ حِينَ يَعْبُدُونَهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِعِبَادَتِهِمْ فَفَرَّطُوا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعِبَادَةِ وَتَجَاوَزُوا حَقَّ إِلَهِيَّتِهِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ وَأَوْقَاتٍ وَفِيرَةٍ.

وَجُمْلَةُ لَا يَمْلِكُونَ مُبَيِّنَةٌ لِمَا فِي جُمْلَةِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنَ التَّخْطِئَةِ.

وَقَدْ نُفِيَ عَنْهُمْ مِلْكُ أَحْقَرِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ مَا يُسَاوِي ذَرَّةً مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

وَالذَّرَّةُ: بَيْضَةُ النَّمْل الَّتِي تبدو حُبَيْبَةً صَغِيرَةً بَيْضَاءَ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي سُورَةِ يُونُسَ [٦١] . وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَوْهَرُهُمَا وعينهما لَا مَا تَشْتَمِلَانِ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ لِأَنَّ جَوْهَرَهُمَا لَا يَدَّعِي الْمُشْرِكُونَ فِيهِ مُلْكًا لِآلِهَتِهِمْ، فَالْمِثْقَالُ: إِمَّا آلَةُ الثِّقَلِ فَهُوَ اسْمٌ لِلصُّنُوجِ الَّتِي يُوزَنُ بِهَا فَأُطْلِقَ عَلَى الْعَدِيلِ مَجَازًا مُرْسَلًا، وَإِمَّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ سُمِّيَ بِهِ الشَّيْءُ الَّذِي بِهِ التَّثْقِيلُ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْعَدِيلِ مَجَازًا، وَتَقَدَّمَ الْمِثْقَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [٤٧] .

وَمِثْقَالُ الذَّرَّةِ: مَا يَعْدِلُ الذَّرَّةَ فَيُثْقَلُ بِهِ الْمِيزَانُ، أَيْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ. وَإِعَادَةُ حَرْفِ النَّفْيِ تَأْكِيدٌ لَهُ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ.

وَقَدْ نُفِيَ أَنْ يَكُونَ لِآلِهَتِهِمْ مُلْكٌ مُسْتَقِلٌّ، وَأُتْبِعَ بِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ لَهُم شرك فِي شَيْءٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَيْ شِرْكٌ مَعَ اللَّهِ كَمَا هُوَ السِّيَاقُ فَلَمْ يَذْكُرْ مُتَعَلِّقَ الشِّرْكِ إِيجَازًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْوِفَاقِ.