للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْحَقِّ مِنْ مَعْنَى: النَّاصِرِ لِي دُونَكُمْ فَمَاذَا يَنْفَعُكُمُ اعْتِزَازُكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ وَقُوَّتِكُمْ.

وَالْقَذْف: إِلْقَاء شَيْء مِنَ الْيَدِ، وَأُطْلِقَ عَلَى إِظْهَارِ الْحَقِّ قَذْفٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ، شَبَّهَ إِعْلَانَ الْحَقِّ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ رَبِّي يَقْذِفُكُمْ بِالْحَقِّ.

أَوْ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ [الْأَنْبِيَاء: ١٨] وعَلى كُلٍّ فَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.

وَتَخْصِيصُ وَصْفِ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مِنْ بَيْنِ الْأَوْصَافِ الْإِلَهِيَّةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِالنَّوَايَا، وَأَنَّ الْقَائِلَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَالَّذِي يَعْلَمُ هَذَا لَا يجترىء عَلَى اللَّهِ بِادِّعَائِهِ بَاطِلًا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ، فَالْإِعْلَامُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ هُنَا يُشْبِهُ اسْتِعْمَالَ الْخَبَرِ فِي لَازِمِ فَائِدَتِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْحُكْمِ الْخَبَرِيِّ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى: يَقْذِفُ بِالْحَقِّ يُرْسِلُ الْوَحْيَ، أَيْ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [غَافِر: ١٥] وَيَكُونَ قَوْلُهُ عَلَّامُ الْغُيُوبِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ:

لَوْلَا أُنْزِلَتْ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ دُونَ مُحَمَّدٍ.

وَارْتَفَعَ عَلَّامُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هُوَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِاسْمِ إِنَّ إِمَّا مَقْطُوعٌ، وَإِمَّا لِمُرَاعَاةِ مَحَلِّ اسْمِ إِنَّ حَيْثُ إِنَّهَا اسْتَوْفَتْ خَبَرَهَا لِأَنَّ حُكْمَ الصِّفَةِ حُكْمُ عَطْفِ النَّسَقِ عِنْدَ أَكْثَرِ النُّحَاةِ وَهُوَ الْحَقُّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: رَفْعُ الِاسْم فِي مثل هَذَا هُوَ غَالِبُ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَمِثْلُهُ بِالْبَدَلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [ص: ٦٤] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الْغُيُوبِ بِضَمِّ الْغَيْنِ. وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ كَمَا جَاءَ الْوَجْهَانِ فِي بَاء «بيُوت» .

[٤٩]

[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ٤٩]

قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩)

أُعِيدَ فِعْلُ قُلْ لِلِاهْتِمَامِ بِالْمَقُولِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.

وَجُمْلَةُ قُلْ جاءَ الْحَقُّ تَأْكِيدٌ لِجُمْلَةِ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ [سبأ: ٤٨] فَإِنَّ الْحَقَّ