للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (يَسْتَسْخِرُونَ) مُبَالَغَةٌ فِي السُّخْرِيَةِ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِ: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمرَان: ١٩٥] وَقَوْلِهِ: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ [الزخرف: ٤٣] .

فَالسُّخْرِيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: وَيَسْخَرُونَ سُخْرِيَةٌ مِنْ محاجّة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِالْأَدِلَّةِ. وَالسُّخْرِيَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا سُخْرِيَةٌ مِنْ ظُهُورِ الْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ، أَيْ يَزِيدُونَ فِي السُّخْرِيَةِ بِمَنْ ظَنَّ مِنْهُمْ أَنَّ ظُهُورَ الْمُعْجِزَاتِ يَحُولُ بِهِمْ عَنْ كُفْرِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا:

إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها [الْفرْقَان: ٤٢] .

[١٥- ١٩]

[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ١٥ إِلَى ١٩]

وَقالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً [الصافات: ١١] الْآيَةَ. وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ:

إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ إِلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً وَهُوَ إِعَادَةُ الْخَلْقِ عِنْدَ الْبَعْثِ، ويبينه قَوْله: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَيْ وَقَالُوا فِي رَدِّ الدَّلِيلِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا [الصافات: ١١] أَيْ أَجَابُوا بِأَنَّ ادِّعَاءَ إِعَادَةِ الْحَيَاةِ بَعْدَ الْبِلَى كَلَامُ سِحْرٍ مُبِينٍ، أَيْ كَلَامٌ لَا يُفْهَمُ قُصِدَ بِهِ سِحْرُ السَّامِعِ.

هَذَا وَجْهُ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ تَفْسِيرًا يَلْتَئِمُ بِهِ نَظْمُهَا خِلَافًا لِمَا دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحْدَهُ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ هَمْزَةُ إِنَّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَوَابُ إِذا الْوَاقِعَةِ فِي حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ فَهُوَ مِنْ حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ. وَقَرَأَ غير نَافِع أَإِنَّا بِهَمْزَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مُؤَكِّدَةٌ لِلْهَمْزَةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى إِذا.

وَقَوله: أَوَآباؤُنَا قَرَأَهُ قَالُونُ عَنْ نَافِعٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِسُكُون وَاو أَوَعلى أَنَّ الْهَمْزَةَ مَعَ الْوَاوِ حَرْفٌ وَاحِدٌ هُوَ أَوْ الْعَاطِفَةُ الْمُفِيدَةُ لِلتَّقْسِيمِ هُنَا