للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ١٠٨]

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ هُوَ كَذَيْلٍ لِمَا مَضَى فِي السُّورَةِ كُلِّهَا وَحَوْصَلَةٍ لِمَا جَرَى مِنَ الِاسْتِدْلَالِ وَالْمُجَادَلَةِ وَالتَّخْوِيفِ وَالتَّرْغِيبِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ مَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَلَامًا جَامِعًا وَمُوَادَعَةً قَاطِعَةً.

وَافْتِتَاحُهَا بِ قُلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ تَبْلِيغٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ جَدِيرٌ بِالتَّلَقِّي.

وَافْتِتَاحُ الْمَقُولِ بِالنِّدَاءِ لِاسْتِيعَاءِ سَمَاعِهِمْ لِأَهَمِّيَّةِ مَا سَيُقَالُ لَهُمْ، وَالْخِطَابُ لِجَمِيعِ النَّاسِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ ابْتِدَاءً الْمُشْرِكُونَ، وَلِذَلِكَ أُطِيلُ الْكَلَامُ فِي شَأْنِهِمْ، وَقَدْ ذُكِرَ مَعَهُمْ مَنِ اهْتَدَى تَشْرِيفًا لَهُمْ.

وَأَكَّدَ الْخَبَرَ بِحَرْفِ قَدْ تَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِأَنَّ مَا فِيهِ الْحَقُّ قَدْ أُبْلِغَ إِلَيْهِمْ وَتَحْقِيقًا لِكَوْنِهِ حَقًّا.

وَالْحَقُّ: هُوَ الدِّينُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَوَصَفَهُ بِ مِنْ رَبِّكُمْ لِلتَّنْوِيهِ بِأَنَّهُ حَقٌّ مُبِينٌ لَا يَخْلِطُهُ بَاطِلٌ وَلَا رَيْبٌ، فَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَاخْتِيَارُ وَصْفِ الرَّبِّ الْمُضَافِ إِلَى ضَمِيرِ النَّاسُ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ إِرْشَادٌ مِنَ الَّذِي يُحِبُّ صَلَاحَ عِبَادِهِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى مَا فِيهِ نَفْعُهُمْ شَأْنُ مَنْ يَرُبُّ، أَيْ يَسُوسُ وَيُدَبِّرُ.

وَتَفْرِيعُ جُمْلَةِ: فَمَنِ اهْتَدى عَلَى جُمْلَةِ: قَدْ جاءَكُمُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مَجِيءَ

الْحَقِّ الْوَاضِحِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ إِتْبَاعَهُ غُنْمٌ لِمُتَّبِعِهِ وَلَيْسَ مَزِيَّةً لَهُ عَلَى اللَّهِ، لِيُتَوَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْمُعْرِضَ عَنْهُ قَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَرَتَّبَ عَلَيْهَا تَبِعَةَ الْإِعْرَاضِ.