بِتَفْضِيلِهِ عَلَى يَحْيَى إِذْ قِيلَ فِي شَأْنِهِ وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ
[مَرْيَم: ١٥] ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ بِلَامِ الْجِنْسِ وَبَيْنَ النَّكِرَةِ.
وَيَجُوزُ جَعْلُ اللَّامِ لِلْعَهْدِ، أَيْ سَلَامٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَكْرِيمِ اللَّهِ عَبْدَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَبِالْأَمْرِ بِكَرَامَتِهِ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الْأَحْزَاب: ٥٦] ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ فِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ قَوْلِ الْمُتَشَهِّدِ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيءُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» .
وَمُؤْذِنٌ أَيْضًا بِتَمْهِيدِ التَّعْرِيضِ بِالْيَهُودِ إِذْ طَعَنُوا فِيهِ وَشَتَمُوهُ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، فَقَالُوا: وُلِدَ مِنْ زِنًى، وَقَالُوا: مَاتَ مَصْلُوبًا، وَقَالُوا: يُحْشَرُ مَعَ الْمَلَاحِدَةِ وَالْكَفَرَةِ، لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَفَرَ بِأَحْكَامٍ من التَّوْرَاة.
[٣٤- ٣٥]
[سُورَة مَرْيَم (١٩) : الْآيَات ٣٤ إِلَى ٣٥]
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥)
اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمَقُولَةِ فِي قَوْلِهِ: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مَرْيَم: ٣٠] مَعَ قَوْلِهِ:
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ [مَرْيَم: ٣٦] ، أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ هُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لَا كَمَا تَزْعُمُ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ.
وَالْإِشَارَةُ لِتَمْيِيزِ الْمَذْكُورِ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ تَعْرِيضًا بِالرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَمِيعًا، إِذْ أَنْزَلَهُ الْيَهُودُ إِلَى حَضِيضِ الْجُنَاةِ، وَرَفَعَهُ النَّصَارَى إِلَى مَقَامِ الْإِلَهِيَّةِ، وَكِلَاهُمَا مُخْطِئٌ مُبْطِلٌ، أَيْ ذَلِكَ هُوَ عِيسَى بِالْحَقِّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute