للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذُكِرَ فِي الْبَقَرَة [٥٨] : فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَلَمْ يُذْكَرْ وَصْفُ رَغَدًا هُنَا، وَإِنَّمَا حُكِيَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمِنَّةِ أَدْخَلُ فِي تَقْوِيَةِ التَّوْبِيخِ.

وَجُمْلَةُ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ مستأنفة استئنافا بَيَانا لِأَنَّ قَوْلَهُ: تُغْفَرُ لَكُمْ فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ بِإِعْطَاءِ نِعَمٍ كَثِيرَةٍ مِمَّا يُثِيرُ سُؤَالَ سَائِلٍ يَقُولُ: وَهَلِ الْغُفْرَانُ هُوَ قُصَارَى جَزَائِهِمْ؟

فَأُجِيبُ بِأَنَّ بَعْدَهُ زِيَادَةَ الْأَجْرِ عَلَى الْإِحْسَانِ، أَيْ عَلَى الِامْتِثَالِ.

وَفِي نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٥٨] ذُكِرَتْ جُمْلَةُ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ مَعْطُوفَةً بِالْوَاوِ عَلَى تَقْدِيرِ: قُلْنَا لَهُمْ ذَلِكَ وَقُلْنَا لَهُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ، فَالْوَاوُ هُنَالِكَ لِحِكَايَةِ الْأَقْوَالِ، فَهِيَ مِنَ الْحِكَايَةِ لَا مِنَ الْمَحْكِيِّ أَيْ قُلْنَا وَقُلْنَا سَنَزِيدُ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ تُغْفَرُ- بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، وخَطِيئاتِكُمْ- بِصِيغَةِ جَمْعِ السَّلَامَةِ لِلْمُؤَنَّثِ- وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ: نَغْفِرْ- بِالنُّونِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ- وخَطِيئاتِكُمْ- بِصِيغَةِ جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ أَيْضًا- وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو نَغْفِرْ- بِالنُّونِ وخطاياكم- بِصِيغَةِ جَمْعِ التَّكْسِيرِ، مِثْلَ آيَةِ الْبَقَرَةِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: تُغْفَرْ- بِالْفَوْقِيَّةِ- وَخَطِيئَتُكُمْ- بِالْإِفْرَادِ.

وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آيَةِ الْبَقَرَةِ فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَمَنْ وَافَقَهُ: تَفَنُّنٌ فِي حِكَايَة الْقِصَّة.

[١٦٣]

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٦٣]

وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣)

غُيِّرَ أُسْلُوبُ الْخَبَرِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَا: فَابْتُدِئَ ذِكْرُ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِطَلَبِ أَنْ يَسْأَلَ سَائِلٌ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْحَاضِرِينَ عَنْهَا، فَنَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِهَذِهِ الْقَصَصِ الْآتِيَةِ شَأْنًا غَيْرَ شَأْنِ الْقِصَصِ الْمَاضِيَةِ، وَلَا أَحْسَبُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ أَجْلِ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لَيْسَتْ مِمَّا كُتِبَ فِي تَوْرَاةِ الْيَهُودِ وَلَا فِي كُتُبِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا كَانَ مَرْوِيًّا عَنْ أَحْبَارِهِمْ، وَلِذَلِكَ افْتُتِحَتْ بِالْأَمْرِ بِسُؤَالِهِمْ عَنْهَا، لِإِشْعَارِ يَهُودِ الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ بِأَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهَا،

وَهُمْ كَانُوا يَكْتُمُونَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَوَادِثَ الَّتِي تَكُونُ مَوَاعِظَ لِلْأُمَّةِ فِيمَا