للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقُوبِلَ حَالُهُمْ بِضِدِّهِ مِنْ حَالِ الْأَبْرَارِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَرَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ وَإِعْلَانِ كَرَامَتِهِمْ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُقَرَّبِينَ وَذِكْرِ صُوَرٍ مِنْ نَعِيمِهِمْ.

وَانْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى وَصْفِ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ فِي هَذَا الْعَالَمِ الزَّائِلِ إِذْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ

يَسْخَرُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَلْمِزُونَهُمْ وَيَسْتَضْعِفُونَهُمْ وَكَيْفَ انْقَلَبَ الْحَالُ فِي الْعَالم الأبدي.

[١- ٣]

[سُورَة المطففين (٨٣) : الْآيَات ١ إِلَى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)

افْتِتَاحُ السُّورَةِ بِاسْمِ الْوَيْلِ مُؤْذِنٌ بِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ على وَعِيد فَلفظ وَيْلٌ مِنْ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: ١] . وَقد أَخذ أبوبكر بْنُ الْخَازِنِ مِنْ عَكْسِهِ قَوْلَهُ فِي طَالِعِ قَصِيدَةٍ بِتَهْنِئَتِهِ بِمَوْلُودٍ:

بُشْرَى فَقَدْ أَنْجَزَ الْإِقْبَالُ مَا وَعَدَا وَالتَّطْفِيفُ: النَّقْصُ عَنْ حَقِّ الْمِقْدَارِ فِي الْمَوْزُونِ أَوِ الْمَكِيلِ، وَهُوَ مَصْدَرُ طَفَّفَ إِذْ بَلَغَ الطُّفَافَةَ. وَالطُّفَافُ (بِضَمِّ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ) مَا قَصُرَ عَنْ مَلْءِ الْإِنَاءِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ طَعَامٍ، وَيُقَالُ: الْطَفُّ بِفَتْحِ الطَّاءِ دُونَ هَاءِ تَأْنِيثٍ، وَتُطْلَقُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَلَى مَا تَجَاوَزَ حَرْفَ الْمِكْيَالِ مِمَّا يُمْلَأُ بِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ شَيْئًا قَلِيلًا زَائِدًا عَلَى مَا مَلَأَ الْإِنَاءَ، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ طُفَافَةً، أَيْ قَلِيلُ زِيَادَةٍ.

وَلَا نَعْرِفُ لَهُ فِعْلًا مُجَرَّدًا إِذْ لَمْ يُنْقَلْ إِلَّا بِصِيغَةِ التَّفْعِيلِ، وَفِعْلُهُ: طَفَّفَ، كَأَنَّهُمْ رَاعَوْا فِي صِيغَةِ التَّفْعِيلِ مَعْنَى التَّكَلُّفِ وَالْمُحَاوَلَةِ لِأَنَّ الْمُطَفِّفَ يُحَاوِلُ أَنْ يَنْقُصَ الْكَيْلَ دُونَ أَنْ يَشْعُرَ بِهِ الْمُكْتَالُ، وَيُقَابِلُهُ الْوَفَاءُ.

ووَيْلٌ كَلِمَةُ دُعَاءٍ بِسوء الْحَال، وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ وَعِيدٌ بِالْعِقَابِ وَتَقْرِيعٌ، وَالْوَيْلُ:

اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ لِعَدَمِ وُجُودِ فِعْلٍ لَهُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧٩] .

وَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْمُتَصَدِّينَ لِلتَّجْرِ يَغْتَنِمُونَ حَاجَةَ النَّاسِ إِلَى الِابْتِيَاعِ مِنْهُمْ وَإِلَى الْبَيْعِ لَهُمْ لِأَنَّ التُّجَّارَ هم أَصْحَاب رُؤُوس الْأَمْوَالِ وَبِيَدِهِمُ الْمَكَايِيلُ وَالْمَوَازِينُ، وَكَانَ