وَ (قَبْلُ) مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُلَازِمَةِ لِلْإِضَافَةِ. وَلَمَّا حُذِفَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ وَاعْتُبِرَ مُضَافًا إِلَيْهِ مُجْمَلًا وَلَمْ يُرَاعَ لَهُ لَفْظٌ مَخْصُوصٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بُنِيَتْ (قَبْلُ) عَلَى الضَّمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الرّوم: ٤٠] .
وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ كُلِّ حَالَةٍ هُوَ عَلَيْهَا، وَالتَّقْدِيرُ فِي آيَةِ سُورَةِ الرُّومِ: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلِ كُلِّ حَدَثٍ وَمِنْ بَعْدِهِ.
وَالْمَعْنَى: الْإِنْكَارُ عَلَى الْكَافِرِينَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَلَا يَتَذَكَّرُوا حَالَ النَّشْأَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا أَعْجَبُ عِنْدَ الَّذِينَ يَجْرُونَ فِي مَدَارِكِهِمْ عَلَى أَحْكَامِ الْعَادَةِ، فَإِنَّ الْإِيجَادَ عَنْ عَدَمٍ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ مَثَّالٍ أَعْجَبُ وَأَدْعَى إِلَى الِاسْتِبْعَادِ مِنْ إِعَادَةِ مَوْجُودَاتٍ كَانَتْ لَهَا أَمْثِلَةٌ. وَلَكِنَّهَا فَسَدَتْ هَيَاكِلُهَا وَتَغَيَّرَتْ تَرَاكِيبُهَا. وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى الشَّاهِدِ وَإِنْ كَانَ الْقَادِرُ سَوَاءٌ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ.
[٦٨- ٧٠]
[سُورَة مَرْيَم (١٩) : الْآيَات ٦٨ إِلَى ٧٠]
فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠)
الْفَاءُ تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ [مَرْيَم: ٦٧] ، بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ التَّهْدِيدِ. وَوَاوُ الْقَسَمِ لِتَحْقِيقِ الْوَعِيدِ. وَالْقَسَمُ بِالرَّبِّ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدْمَاجٌ لِتَشْرِيفِ قَدْرِهِ.
وَضَمِيرُ لَنَحْشُرَنَّهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْإِنْسانُ [مَرْيَم: ٦٦] الْمُرَادِ بِهِ الْجِنْسُ الْمُفِيدُ لِلِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، أَيْ لَنَحْشُرَنَّ الْمُشْرِكِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute