سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ مِنَ الْوَعِيدِ، إِذِ الْوَعِيدُ وَالزَّجْرُ إِنَّمَا كَانَا لِأَجْلِ إِبْطَالِ الْإِشْرَاكِ، فَكَانَتْ جُمْلَةُ أَتى أَمْرُ اللَّهِ كَالْمُقَدِّمَةِ، وَجُمْلَةُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ كَالْمَقْصِدِ.
وَ (مَا) فِي قَوْلِهِ: عَمَّا يُشْرِكُونَ مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ عَنْ إِشْرَاكِهِمْ غَيْرِهِ مَعَهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُشْرِكُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ، فَعَدَلَ عَنِ الْخِطَابِ لِيَخْتَصَّ التَّبَرُّؤُ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَنْ شَرَفِ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ.
وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ تَبَعًا لِقَوْلِهِ: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ.
[٢]
[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ٢]
يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢)
كَانَ اسْتِعْجَالُهُمْ بِالْعَذَابِ اسْتِهْزَاءً بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْذِيبِهِ، وَكَانَ نَاشِئًا عَنْ عَقِيدَةِ الْإِشْرَاكِ الَّتِي مِنْ أُصُولِهَا اسْتِحَالَةُ إِرْسَالِ الرُّسُلِ مِنَ الْبَشَرِ.
وَأُتْبِعَ تَحْقِيقُ مَجِيءِ الْعَذَابِ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ عَنِ الشَّرِيكِ فَقُفِّيَ ذَلِكَ بتبرئة الرَّسُول- عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام- مِنَ الْكَذِبِ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنْ رَبِّهِ وَوَصَفَ لَهُمُ الْإِرْسَالَ وَصْفًا مُوجَزًا. وَهَذَا اعْتِرَاضٌ فِي أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى التَّوْحِيدِ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ وَهُوَ جِبْرَئِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
وَالرُّوحُ: الْوَحْيُ. أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الرُّوحِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ الْوَحْيَ بِهِ هدي الْعُقُول إِلَى الْحَقِّ، فَشَبَّهَ الْوَحْيَ بِالرُّوحِ كَمَا يُشَبِّهُ الْعِلْمَ الْحَقَّ بِالْحَيَاةِ، وَكَمَا يُشَبِّهُ الْجَهْلَ بِالْمَوْتِ قَالَ تَعَالَى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [سُورَة الْأَنْعَام: ١٢٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute