بِ ثُمَّ أَعْظَمُ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الْوَعِيدَ الَّذِي عُطِفَتْ جُمْلَتُهُ بِ ثُمَّ أَشَدُّ وَأَنْكَى فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا زائل غير مؤيّد. وَالْمَعْنَى أعظم مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُهُمْ فَيُحَاسِبُهُمْ. وَالْعُدُولُ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ إِلَى لَفْظِ رَبِّهِمْ لِقَصْدِ تَهْوِيلِ الْوَعِيدِ وَتَعْلِيلِ اسْتِحْقَاقِهِ بِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى مَالِكِهِمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ فَكَفَرُوا نِعَمَهُ وَأَشْرَكُوا بِهِ فَكَانُوا كَالْعَبِيدِ الْآبِقِينَ يَطُوفُونَ مَا يَطُوفُونَ ثُمَّ يَقَعُونَ فِي يَدِ مَالِكِهِمْ.
وَالْإِنْبَاءُ: الْإِعْلَامُ، وَهُوَ تَوْقِيفُهُمْ عَلَى سُوءِ أَعْمَالِهِمْ. وَقَدِ اسْتُعْمِلَ هُنَا فِي لَازِمِ
مَعْنَاهُ، وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَالْعِقَابُ، لِأَنَّ الْعِقَابَ هُوَ الْعَاقِبَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ إِعْلَامِ الْمُجْرِمِ بِجُرْمِهِ.
وَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَنِ الْمَرْجِعِ مُؤْذِنَةٌ بِسُرْعَةِ الْعِقَابِ إِثْرَ الرّجوع إِلَيْهِ.
[١٠٩]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٠٩]
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٩)
عطف جُمْلَةُ: وَأَقْسَمُوا عَلَى جُمْلَةِ: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الْأَنْعَام: ١٠٦] الْآيَةَ. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْقَوْمِ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ [الْأَنْعَام: ٦٦] مِثْلُ الضَّمَائِرِ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَةِ وَمَعْنَى: لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ آيَةٌ غَيْرُ الْقُرْآنِ. وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى شَيْءٍ مِنْ تَعَلُّلَاتِهِمْ لِلتَّمَادِي عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ ظُهُورِ الْحُجَجِ الدَّامِغَةِ لَهُمْ، كَانُوا قَدْ تَعَلَّلُوا بِهِ فِي بَعْضِ تَوَرُّكِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَرَوَى الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَالْكَلْبِيِّ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: أَنَّ قُرَيْشًا سَأَلُوا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً مِثْلَ آيَةِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِذْ ضَرَبَ بِعَصَاهُ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ الْعُيُونُ، أَوْ مِثْلَ آيَةِ صَالِحٍ، أَوْ مِثْلَ آيَةِ عِيسَى- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-، وَأَنَّهُمْ قَالُوا لَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute