للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ مَعْنَاهُ كَتَزْيِينِنَا لِهَؤُلَاءِ سُوءَ عَمَلِهِمْ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ

عَمَلَهُمْ، فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ- إِلَى قَوْلِهِ- فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الْأَنْعَام: ١٠٠- ١٠٨] . فَإِنَّ اجْتِرَاءَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْجَرَائِمِ وَعَمَاهُمْ عَنِ النَّظَرِ فِي سُوءِ عَوَاقِبِهَا نَشَأَ عَنْ تَزْيِينِهَا فِي نُفُوسِهِمْ وَحُسْبَانِهِمْ أَنَّهَا طَرَائِقُ نَفْعٍ لَهُمْ وَنَجَاةٍ وَفَوْزٍ فِي الدُّنْيَا بِعِنَايَةِ أَصْنَامِهِمْ. فَعَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ وَبِمُمَاثِلِ هَذَا التَّزْيِينِ زَيَّنَ اللَّهُ أَعْمَالَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مَعَ الرُّسُلِ الَّذِينَ بَعَثُوا فِيهِمْ فَكَانُوا يُشَاكِسُونَهُمْ وَيَعْصُونَ نُصْحَهُمْ وَيَجْتَرِئُونَ عَلَى رَبِّهِمُ الَّذِي بَعَثَهُمْ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا شَبَّهَ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ تَزْيِينًا عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّ مَا وَقَعَتْ إِلَيْهِ الْإِشَارَةُ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّزْيِينِ. وَقَدْ جَرَى اسْمُ الْإِشَارَةِ هُنَا عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ:

وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَة: ١٤٣] وَنَظَائِرِهِ، لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يَتَعَلَّقُ بِأَحْوَالِ غَيْرِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ بَلْ بِأَحْوَالٍ أَعَمُّ مِنْ أَحْوَالِهِمْ. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَعْرِيضٌ بِالتَّوَعُّدِ بِأَنْ سَيَحُلُّ بِمُشْرِكِي الْعَرَبِ مِنَ الْعَذَابِ مِثْلُ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ فِي الدُّنْيَا.

وَحَقِيقَةُ تَزْيِينِ اللَّهِ لَهُمْ ذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ بِعُقُولٍ يَحْسُنُ لَدَيْهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْفِعْلِ، عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [الْأَنْعَام: ١٠٨] . وَذَلِكَ هُوَ الْقَانُونُ فِي نَظَائِرِهِ.

وَالتَّزْيِينُ تَفْعِيلٌ مِنَ الزَّيْنِ، وَهُوَ الْحُسْنُ أَوْ مِنَ الزِّينَةِ، وَهِيَ مَا يُتَحَسَّنُ بِهِ الشَّيْءُ.

فَالتَّزْيِينُ جَعْلُ الشَّيْءِ ذَا زِينَةٍ أَوْ إِظْهَارُهُ زَيْنًا أَوْ نِسْبَتُهُ إِلَى الزَّيْنِ. وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى إِظْهَارِهِ فِي صُورَةِ الزَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَالتَّفْعِيلُ فِيهِ لِلنِّسْبَةِ مِثْلُ التَّفْسِيقِ. وَفِي قَوْلِهِ: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ٧] بِمَعْنَى جَعَلَهُ زَيْنًا، فَالتَّفْعِيلُ لِلْجَعْلِ لِأَنَّهُ حَسَنٌ فِي ذَاتِهِ.

وَلِمَا فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالْوَعِيدِ بِعَذَابِ الْأُمَمِ عَقَّبَ الْكَلَامَ بِ ثُمَّ الْمُفِيدَةِ التَّرْتِيبَ الرُّتْبِيَّ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، لِأَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ