للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُسْبَانَ اسْتِوَاءِ الْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ خَطَرَ بِبَالِ السَّامِعِ أَنْ يَسْأَلَ كَيْفَ وَاقِعُ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ فَأُجِيبَ بِأَنَّ حَالَ مَحْيَاهُمْ هُوَ مِقْيَاسُ حَالِ مَمَاتِهِمْ، أَيْ حَالُهُمْ فِي الْآخِرَةِ مُخْتَلِفٌ كَمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا مُخْتَلِفٌ، فَالْمُؤْمِنُونَ يَحْيَوْنَ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى رَبِّهِمْ وَرَجَاءِ فَضْلِهِ، وَالْكَافِرُونَ يَعِيشُونَ مُعْرِضِينَ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِمْ آيِسِينَ مِنَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ. وَهَذَا لَيْسَ عَيْنَ الْجَوَابِ وَلَكِنَّهُ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِعِلَّةِ الْجَوَابِ عَنْ ذِكْرِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: حَالُ الْفَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفٌ فِي الْآخِرَةِ كَمَا كَانَ مُخْتَلِفًا فِي الْحَيَاةِ.

وَجُمْلَةُ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ

تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنْ إِنْكَارِ حُسْبَانِهِمْ وَمَا اتَّصَلَ بِذَلِكَ الْإِنْكَارِ مِنَ الْمَعَانِي. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِنْ كَانَ مَوْرِدُهَا فِي تَخَالُفِ حَالَيِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ نَوْطَ الْحُكْمِ فِيهَا بِصِلَةِ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ

يَجْعَلُ مِنْهَا إِيمَاءً إِلَى تَفَاوُتِ حَالَيِ الْمُسِيئِينَ وَالْمُحْسِنِينَ مَنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَإِنْ لَمْ يَحْسَبْ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَبْكِي إِلَى الصَّبَاحِ. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ الرّبيع بن خَيْثَم وَعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ: أَنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يُرَدِّدُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ يَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَنْتَ. يُخَاطِبُ نَفْسَهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تُسَمَّى مَبْكَاةُ الْعَابِدِينَ.

وَالْمَحْيَا وَالْمَمَاتُ: مَصْدَرَانِ مِيمِيَّانِ أَوِ اسْمَا زَمَانٍ، أَيْ حَيَاتُهُمْ وَمَوْتُهُمْ، وَهُوَ عَلَى كِلَا الِاعْتَبَارَيْنِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ حَالَةُ مَحْيَاهُمْ وحالات مماتهم.

[٢٢]

[سُورَة الجاثية (٤٥) : آيَة ٢٢]

وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٢)

الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَبَيْنَ مَا فُرِّعَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الجاثية: ٢٣] هُوَ كَالدَّلِيلِ عَلَى انْتِفَاءِ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ الَّذِينَ هُمْ فِي بُحْبُوحَةِ عَيْشٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ أَنْ يَكُونُوا فِي نَعِيمٍ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ كَالَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ فَكَانَ جَزَاؤُهُمُ النَّعِيمَ بَعْدَ