للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِأَنَّ خَالِقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا هُوَ الْإِلَهُ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ.

وَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي كُنْتُمْ مُوقِنِينَ مُرَادٌ بِهِ جَمِيعُ حَاضِرِي مَجْلِسِ فِرْعَوْنَ، أَرَادَ مُوسَى تَشْرِيكَهُمْ فِي الدَّعْوَةِ تَقَصِّيًا لِكَمَالِ الدَّعْوَةِ وَأَنَّ مُؤَاخَذَةَ الْقَائِلِ لَا تَقَعُ إِلَّا بَعْدَ اتِّضَاحِ مُرَادِهِ مِنْ مَقَالِهِ إِذْ لَا يُؤَاخذ بالمجملات. وَمِنْ هَذَا قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ صَدَرَ مِنْهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَسْتَلْزِمُ كُفْرًا: إِنَّهُ يُحْضَرُ وَيُوقَفُ عَلَى لَازِمِ قَوْلِهِ فَإِنْ فَهِمَهُ وَالْتَزَمَ مَا يَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ

مُرْتَدًّا وَيُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بعد ذَلِك.

[٢٥]

[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : آيَة ٢٥]

قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥)

أَعْرَضَ فِرْعَوْنُ عَنْ خِطَابِ مُوسَى وَاسْتَثَارَ نُفُوسَ الْمَلَأِ مِنْ حَوْلِهِ وَهُمْ أَهْلُ مَجْلِسِهِ فَاسْتَفْهَمَهُمُ اسْتِفْهَامَ تَعَجُّبٍ مِنْ حَالِهِمْ كَيْفَ لَمْ يَسْتَمِعُوا مَا قَالَهُ مُوسَى فَنَزَّلَهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يَسْتَمِعْهُ تَهْيِيجًا لِنُفُوسِهِمْ كَيْ لَا تَتَمَكَّنَ مِنْهُمْ حُجَّةُ مُوسَى، فَسَلَّطَ الِاسْتِفْهَامَ عَلَى نَفْيِ اسْتِمَاعِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا التَّعَجُّبُ مِنْ حَالِ اسْتِمَاعِهِمْ وَسُكُوتِهِمْ يَقْتَضِي التَّعَجُّبَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى بِطَرِيقِ فَحْوَى الْخِطَابِ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَعَجُّبٍ آخَرَ. وَمَرْجِعُ التعَجُّبَيْنِ أَنَّ إِثْبَاتَ رَبٍّ وَاحِدٍ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ مُنْكَرٌ عِنْدَ فِرْعَوْنَ لِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا فَيَرَى تَوْحِيدَ الْإِلَهِ لَا يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهِ، وَلِكَوْنِ خِطَابِ فِرْعَوْنَ لِمَنْ حَوْلُهُ يَتَضَمَّنُ جَوَابًا عَنْ كَلَامِ مُوسَى حُكِيَ كَلَامُ فِرْعَوْنَ بِالصِّيغَةِ الَّتِي اعْتِيدَتْ فِي الْقُرْآنِ حِكَايَةُ الْمُقَاوَلَاتِ بِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، كَأَنَّهُ يُجِيبُ مُوسَى عَن كَلَامه.

[٢٦]

[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : آيَة ٢٦]

قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦)

كَلَامُ مُوسَى هَذَا فِي مَعْرِضِ الْجَواب عَن تعجب فِرْعَوْنَ مِنْ سُكُوتِ مَنْ حَوْلَهُ فَلِذَلِكَ كَانَتْ حِكَايَتُهُ قَوْلَهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي تُحْكَى بِهَا الْمُقَاوَلَاتُ. وَلَمَّا كَانَ فِي كَلَامِ فِرْعَوْنَ إِعْرَاضٌ عَنْ مُخَاطَبَةِ مُوسَى إِذْ تَجَاوَزَهُ إِلَى مُخَاطَبَةِ مَنْ حَوْلَهُ، وَجَّهَ مُوسَى خِطَابَهُ إِلَى جَمِيعِهِمْ، وَإِذْ رَأَى مُوسَى أَنَّهُمْ جَمِيعًا لَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الِاقْتِنَاعِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ الْعَوَالِمَ الَّذِي ابْتَدَأَ بِهِ هُوَ أَوْسَعُ دَلَالَةً عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ إِذْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ