وَالْمُتَعَرِّضَاتِ لِلتَّزَوُّجِ بِهِ، وَتَحْذِيرٌ لَهُنَّ مِنْ إِضْمَار عدم الرضى بِمَا يَلْقَيْنَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي إِجْرَاءِ صِفَتي عَلِيماً حَلِيماً عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ إِيمَاءٌ إِلَى ذَلِكَ، فَمُنَاسَبَةُ صِفَةِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ظَاهِرَةٌ، وَمُنَاسَبَةُ صِفَةُ الْحَلِيمِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَرْغِيبُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَلْيَقِ الْأَحْوَالِ بِصِفَةِ الْحَلِيمِ لِأَنَّ هَمَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّخَلُّقُ بِخُلُقِ اللَّهِ
تَعَالَى وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ عَلَيْهِ صِفَاتٍ مِنْ صِفَاته مثل رؤوف رَحِيم وَمثل شَاهد. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا.
وَلِهَذَا لَمْ يَأْخُذْ رَسُولُ الله بِهَذَا التَّخْيِير فِي النِّسَاءِ اللَّاتِي كُنَّ فِي مُعَاشَرَتِهِ، وَأَخَذَ بِهِ فِي الْوَاهِبَاتِ أَنْفُسِهِنَّ مَعَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ بِالْقَوْلِ وَالْبَذْلِ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
وَأَخَذَ بِهِ فِي تَرْكِ التَّزَوُّجِ مِنْ بَنَاتِ عَمِّهِ وَعَمَّاتِهِ وَخَالِهِ وَخَالَاتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا حَرَجَ فِيهِ عَلَيْهِنَّ.
[٥٢]
[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٥٢]
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢)
مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْمُصْحَفِ عَقِبَ الَّتِي قَبِلَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَذَلِكَ نَزَلَتْ وَأَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَمُنْتَظِمٌ هَذَا النَّظْمَ الْبَدِيعَ، عَلَى أَنَّ حَذْفَ مَا أُضِيفَتْ إِلَيْهِ بَعْدُ يُنَادِي عَلَى أَنَّهُ حَذْفُ مَعْلُومٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ فَتَأَخُّرُهَا فِي النُّزُولِ عَنِ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا وَكَوْنُهَا مُتَّصِلَةً بِهَا وَتَتِمَّةً لَهَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَرَدَّدَ فِيهِ، فَتَقْدِيرُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْمَحْذُوفُ لَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذِكْرِ الْأَصْنَافِ قَبْلَهُ، أَيْ مِنْ بَعْدِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِ: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ [الْأَحْزَاب: ٥٠] الْخَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْكَلَامُ مِنَ الزَّمَانِ، أَيْ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْوَقْتِ، وَالْأَوَّلُ الرَّاجِحُ.
وبَعْدُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى (غَيْرٍ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية: ٢٣] وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا نَاسِخَ لِهَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا هِيَ نَاسِخَةٌ لِغَيْرِهَا، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى التَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْأَزْوَاجِ فِي قَوْلِهِ: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute