للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَصْدِيقِهِمْ بِالْقَسَمِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ قَرِيبًا مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الرَّعْد: ٤٣] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً [العنكبوت: ٥٢] .

وَلَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ إِنْكَارًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكْتَفُوا بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَلَى صِدْقِ الْقُرْآنِ وَلَا عَلَى صدق الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّ اللَّهَ شَهِدَ بِذَلِكَ فَلَا يَظْهَرُ تَوَجُّهُ الْإِنْكَارِ إِلَيْهِمْ. وَلَقَدْ دَلَّتْ كَلِمَاتُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَرَدُّدٍ فِي اسْتِخْرَاجِ مَعْنَاهَا مِنْ لَفْظِهَا.

وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ بِرَبِّكَ وَالتَّقْدِير: أَو لم يَكْفِهِمْ رَبُّكَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، أَيْ فَهُوَ يُحَقِّقُ مَا وَعَدَكَ مِنْ دَمْغِهِمْ بِالْحُجَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِكَ، أَوْ فَمَنِ اسْتَشْهَدَ بِهِ فَقَدْ صَدَقَ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُقِرُّ مَنِ اسْتَشْهَدَ بِهِ كَاذِبًا فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَأْخُذَهُ.

وَفِي الْآيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ قَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُصَدِّقُ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ فَلَا يَتِمُّ لَهُ أَمْرٌ وَهُوَ معنى قَول أيّمة أُصُولِ الدِّينِ: إِنَّ دَلَالَةَ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الصِّدْقِ أَنَّ تَغْيِيرَ اللَّهِ الْعَادَةَ لِأَجْلِ تحدّي الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ مَقَامَ قَوْلِهِ: صَدَقَ عَبْدِي فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عني.

[٥٤]

[سُورَة فصلت (٤١) : آيَة ٥٤]

أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤)

تَذْيِيلَانِ لِلسُّورَةِ وَفَذْلَكَتَانِ افْتُتِحَا بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ اهْتِمَامًا بِمَا تَضَمَّنَاهُ. فَأَمَّا التَّذْيِيلُ الْأَوَّلُ فَهُوَ جِمَاعُ مَا تَضَمَّنَتْهُ السُّورَةُ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ الْمُعَانِدِينَ إِذْ كَانَتْ أَحْوَالُهُمُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا نَاشِئَةً عَنْ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ فَكَانُوا فِي مَأْمَنٍ مِنَ التَّفْكِيرِ فِيمَا بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَانْحَصَرَتْ مَسَاعِيهُمْ فِي تَدْبِيرِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَانْكَبُّوا عَلَى مَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالنَّفْعِ فِيهَا.