كُلَّهَا مُنْدَفِعَةٌ بِمَا فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ بَيَانِ نَوْعِ الْجَزَاءِ، فَإِنَّ الِاسْتِئْصَالَ وَنَحْوَهُ لَا يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُجَازَى بِيَاءِ الْغَائِبِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَرَفْعِ الْكَفُورَ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِنُونِ الْعَظَمَةِ وَالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَنصب الْكَفُورَ.
[١٨]
[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ١٨]
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨)
تَكْمِلَةُ الْقِصَّةِ بِذِكْرِ نِعْمَةٍ بَعْدَ نِعْمَةٍ فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ لِنِعْمَةِ الرَّخَاءِ وَالْبَهْجَةِ وَطِيبِ الْإِقَامَةِ، وَمَا هُنَا لِنِعْمَةِ الْأَمْنِ وَتَيْسِيرِ الْأَسْفَارِ وَعُمْرَانِ بِلَادِهِمْ.
وَالْمُرَادُ بِالْقُرَى الَّتِي بُورِكَتْ قُرَى بِلَادِ الشَّامِ فَكَانُوا إِذَا خَرَجُوا مِنْ مَأْرِبَ إِلَى الْبِلَاد الشامية قوافل لِلتِّجَارَةِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ سَلَكُوا طَرِيقَ تِهَامَةَ ثُمَّ الْحِجَازِ ثُمَّ مَشَارِفِ الشَّامِ ثُمَّ بِلَادِ الشَّامِ، فَكَانُوا كُلَّمَا سَارُوا مَرْحَلَةً وَجَدُوا قَرْيَةً أَوْ بَلَدًا أَوْ دَارًا لِلِاسْتِرَاحَةِ واستراحوا وَتَزَوَّدُوا. فَكَانُوا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَا يَحْمِلُونَ مَعَهُمْ أَزْوَادًا إِذَا خَرَجُوا مِنْ مَأْرِبَ.
وَهَذِهِ الْقُرَى الظَّاهِرَةُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكَوَّنَتْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ الْقَاطِنِينَ حَفَافِي الطَّرِيقِ السَّابِلَةِ بَيْنَ مَأْرِبَ وَجِلَّقَ قَصْدَ اسْتِجْلَابِ الِانْتِفَاعِ بِنُزُولِ الْقَوَافِلِ بَيْنَهُمْ وَابْتِيَاعِ الْأَزْوَادِ مِنْهُمْ وَإِيصَالِ مَا تَحْتَاجُهُ تِلْكَ الْقُرَى مِنَ السِّلَعِ وَالثِّمَارِ وَهَذِهِ طَبِيعَةُ الْعُمْرَانِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ سَبَأً أَقَامُوا مَبَانِيَ يَأْوُونَ إِلَيْهَا عِنْدَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ أَسْفَارِهِمْ
وَاسْتَنْبَطُوا فِيهَا الْآبَارَ وَالْمَصَانِعَ وَأَوْكَلُوا بِهَا مَنْ يَحْفَظُهَا وَيَكُونُ لَائِذًا بِهِمْ عِنْدَ نُزُولِهِمْ.
فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا وَطَّدَ لَهُمْ مُلُوكُهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْحَضَارَةِ وَالْأَمْنِ عَلَى الْقَوَافِلِ، وَقَدْ تَكُونُ إِقَامَةُ هَاتِهِ الْمَنَازِلِ مَجْلَبَةً لِمَنْ يَقْطُنُونَ حَوْلَهَا مِمَّنْ يَرْغَبُ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْقَافِلَةِ عِنْدَ مُرُورِهَا.
وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَإِسْنَادُ جَعْلِ تِلْكَ الْقُرَى إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْمُلْهِمُ النَّاسَ وَالْمُلُوكَ