فَبِنَا أَنْ نَطْلُبَ الدَّقِيقَةَ الَّتِي حَسَّنَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَطْفَ الْيَسَعَ وَذِي الْكِفْلِ عَلَى إِسْمَاعِيلَ. فَأَمَّا عَطْفُ الْيَسَعَ عَلَى إِسْمَاعِيلَ فَلِأَنَّ الْيَسَعَ كَانَ مَقَامُهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَقَامِ إِسْمَاعِيلَ فِي بَنِي إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّ الْيَسَعَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ لِلِرَّسُولِ إِلْيَاسَ (إِيلِيَا) وَكَانَ إِلْيَاْسُ يدافع مُلُوك يهوذا وملوك إِسْرَائِيلَ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَكَانَ الْيَسَعُ فِي إِعَانَتِهِ كَمَا كَانَ إِسْمَاعِيلُ فِي إِعَانَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ إِلْيَاْسُ لَمَّا رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ قَامَ الْيَسَعُ مَقَامَهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي سِفْرِ «الْمُلُوكِ الثَّانِي» الْأَصْحَاحِ (١- ٢) .
وَأَمَّا عَطْفُ ذِي الْكِفْلِ عَلَى إِسْمَاعِيلَ فَلِأَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِإِسْمَاعِيلَ فِي صِفَةِ الصَّبْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [٨٥] وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الْيَسَعَ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَبِلَامٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مِنْ أَصْلِ الِاسْمِ فِي اللُّغَةِ الْعَبْرَانِيَّةِ فَعَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ بِاللَّامِ وَلَيْسَتْ لَامَ التَّعْرِيفِ، فَدَعْ عَنْكَ مَا أَطَالُوا بِهِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَبِلَامَيْنِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى أَصْلِهِ الْعَبْرَانِيِّ وَهُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَالْهَمْزَةُ وَاللَّامُ، أَوْ وَاللَّامَانِ أَصْلِيَّةُ.
وَتَنْوِينُ كُلٌّ فِي قَوْلِهِ: وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ وَكُلُّ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْأَخْيَارِ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْيَسَعَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَذِكْرُ ذِي الْكِفْلِ فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء.
[٤٩- ٥٢]
[سُورَة ص (٣٨) : الْآيَات ٤٩ إِلَى ٥٢]
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢)
هَذَا ذِكْرٌ جُمْلَةٌ فَصَلَتِ الْكَلَامَ السَّابِقَ عَنِ الْكَلَامِ الْآتِيَ بَعْدَهَا قَصْدًا لِانْتِقَالِ الْكَلَامِ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ مِثْلُ جُمْلَةِ: أَمَّا بَعْدُ فَكَذَا وَمِثْلُ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْمُجَرَّدِ نَحْوَ هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ
[ص: ٥٥] ، وَقَوْلِهِ: ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ [الْحَج:
٣٠] ، وذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ، فِي سُورَةِ الْحَجِّ [٣٢] . قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : وَهُوَ كَمَا يَقُولُ الْكَاتِبُ إِذَا فَرَغَ مِنْ فَصْلٍ مِنْ كِتَابِهِ وَأَرَادَ الشُّرُوعَ فِي آخَرَ: هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute