وَقَدْ تَشَابَهَتْ أَقْوَالُ قَوْمِ هُودٍ وَأَقْوَالُ قَوْمِ نُوحٍ فِي تَكْذِيبِ الرَّسُولِ لِأَنَّ ضَلَالَةَ الْمُكَذِّبِينَ مُتَّحِدَةٌ، وَشُبُهَاتِهِمْ مُتَّحِدَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [الْبَقَرَة: ١١٨] فَكَأَنَّهُمْ لَقَّنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ [الذاريات: ٥٣] .
[٦٧، ٦٨]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : الْآيَات ٦٧ إِلَى ٦٨]
قالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨)
فُصِلَتْ جُمْلَةُ: قالَ لِأَنَّهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا آنِفًا وَفِيمَا مَضَى.
وَتَفْسِيرُ الْآيَةِ تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهَا آنِفًا فِي قِصَّةِ نُوحٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ وَأَنْصَحُ لَكُمْ [الْأَعْرَاف: ٦٢] وَقَالَ فِي هَذِهِ وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ فَنُوحٌ قَالَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُقْلِعٍ عَنِ النُّصْحِ لِلْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَهُودٌ قَالَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نُصْحَهُ لَهُمْ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِيهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ، وَأَنَّ مَا زَعَمُوهُ سَفَاهَةً هُوَ نُصْحٌ.
وَأُتْبِعَ ناصِحٌ بِ آمِّينَ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالْأَمَانَةِ لِرَدِّ قَوْلِهِمْ لَهُ: لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ [الْأَعْرَاف: ٦٦] لِأَنَّ الْأَمِينَ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالْأَمَانَةِ، وَالْأَمَانَةُ حَالَةٌ فِي الْإِنْسَانِ تَبْعَثُهُ عَلَى حِفْظِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ لِغَيْرِهِ، وَتَمْنَعُهُ مِنْ إِضَاعَتِهِ، أَوْ جَعْلِهِ لِنَفْعِ نَفْسِهِ، وَضِدُّهَا الْخِيَانَةُ.
وَالْأَمَانَةُ مِنْ أَعَزِّ أَوْصَافِ الْبَشَرِ، وَهِيَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَ لَهُ»
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ- ثُمَّ قَالَ- يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ- إِلَى أَنْ قَالَ- فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ»
فَذَكَرَ الْإِيمَانَ فِي مَوْضِعِ الْأَمَانَةِ. وَالْكَذِبُ مِنَ الْخِيَانَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute