للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَقْوَى مِنْ مِلْكِ السَّاكِنَاتِ الَّتِي لَا تُبْدِي حَرَاكًا، فَظَهَرَ حُسْنُ وَقْعِ قَوْلِهِ: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ عَقِبَ هَذَا.

والسميع: الْعَالِمُ الْعَظِيمُ بِالْمَسْمُوعَاتِ أَوْ بِالْمَحْسُوسَاتِ. والعليم: الشَّديد الْعلم بِكُلِّ مَعْلُومٍ.

[١٤]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٤]

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤)

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ.

اسْتِئْنَاف آخر ناشىء عَن جملَة: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ [الْأَنْعَام: ١٢] .

وَأُعِيدَ الْأَمْرُ بِالْقَوْلِ اهْتِمَامًا بِهَذَا الْمَقُولِ، لِأَنَّهُ غَرَضٌ آخَرُ غَيْرُ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ بِالْقَوْلِ قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَقَرَّرَ بِالْقَوْلِ، السَّابِقِ عُبُودِيَّةُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِلَّهِ وَأَنَّ مَصِيرَ كُلِّ ذَلِكَ إِلَيْهِ انْتَقَلَ إِلَى تَقْرِيرِ وُجُوبِ إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ نَتِيجَةٌ لَازَمَةٌ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِجَمِيعِ مَا احْتَوَتْهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَكَانَ هَذَا التَّقْرِيرُ جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ إِذْ أَمَرَ الرَّسُولَ- عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام- بالتبري مِنْ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ. وَالْمَقْصُودُ الْإِنْكَارُ عَلَى الَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرَهُ وَاتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ بِمَحْضَرِ الْمُجَادِلِ الْمُكَابِرِ (لَا أَجْحَدُ الْحَقَّ) لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ ذَلِكَ، كَيْفَ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ مِنْ أَوَّلِ بَعْثَتِهِ، وَهَذِهِ السُّورَةُ مَا نَزَلَتْ إِلَّا بَعْدَ الْبَعْثَةِ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، كَمَا اسْتَخْلَصْنَاهُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ السُّورَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أُمِرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُجِيبَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ دَعَوْهُ إِلَى عِبَادَةِ أَصْنَامِهِمْ، أَيْ هُوَ مِثْلُ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ [الزمر: ٦٤] ، وَهُوَ لَعَمْرِي مِمَّا يُشْعِرُ بِهِ أُسْلُوبُ الْكَلَامِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ لَا يَتَضَمَّنُهُ كَيْفَ وَلَا بُدَّ لِلِاسْتِئْنَافِ مِنْ نُكْتَةٍ.

وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ. وَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ الْأَوَّلَ لِ أَتَّخِذُ عَلَى الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ لِيَكُونَ مُوَالِيًا لِلِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِنْكَارِ لَا مُطْلَقُ اتِّخَاذِ الْوَلِيِّ. وَشَأْنُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ