وَالْوَدُودُ: مِثَالُ مُبَالَغَةٍ مِنَ الْوُدِّ وَهُوَ الْمَحَبَّةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٨٩] . وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْمَحَبَّةِ لِمَنْ يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بالتّوبة.
[٩١]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ٩١]
قالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١)
وَالْفِقْه: الْفَهْمُ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٧٨] ، وَقَوْلِهِ: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٦٥] .
وَمُرَادُهُمْ مِنْ هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصْدَ الْمُبَاهَتَةِ كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ [فصلت: ٥] وَقَوْلِهِ عَنِ الْيَهُودِ:
وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ [الْبَقَرَة: ٨٨] . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا نَتَعَقَّلُهُ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ كَالْمُحَالِ لِمُخَالَفَتِهِ مَا يَأْلَفُونَ، كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْ غَيْرِهِمْ بِقَوْلِهِ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص: ٥] ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَدَمَ فَهْمِ كَلَامِهِ لِأَنَّ شُعَيْبًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ مِقْوَالًا فصيحا، وَوَصفه النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ.
فَالْمَعْنَى: أَنَّكَ تَقُولُ مَا لَا نُصَدِّقُ بِهِ. وَهَذَا مُقَدِّمَةٌ لِإِدَانَتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ عِنْدَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ، وَلِذَلِكَ عَطَفُوا عَلَيْهِ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً أَيْ وَإِنَّكَ فِينَا لَضَعِيفٌ، أَيْ غَيْرُ ذِي قُوَّةٍ وَلَا مَنَعَةٍ. فَالْمُرَادُ الضَّعْفُ عَنِ الْمُدَافَعَةِ إِذَا رَامُوا أَذَاهُ وَذَلِكَ مِمَّا يُرَى لِأَنَّهُ تُرَى دَلَائِلُهُ وَسِمَاتُهُ.
وَذِكْرُ فِعْلِ الرُّؤْيَةِ هُنَا لِلتَّحْقِيقِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا [هود: ٢٧] بِحَيْثُ نَزَّلُوهُ مَنْزِلَةَ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute