فَكَانَتْ آيَاتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً عَلَى مُعَانَدِيهِ أَقْوَى مِنَ الْآيَاتِ السَّمَاوِيَّةِ نَحْوَ الصَّوَاعِقِ أَوِ الرِّيحِ، وَعَنِ الْآيَاتِ الْأَرْضِيَّةِ نَحْوَ الْغَرَقِ وَالْخَسْفِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَعَ مُشَارَكَتِهِمْ وَمُدَاخَلَتِهِمْ حَتَّى يَكُونَ انْغَلَابُهُمْ أَقْطَعَ لِحُجَّتِهِمْ وَأَخْزَى لَهُمْ نَظِيرَ آيَةِ عَصَا مُوسَى مَعَ عصيّ السَّحَرَة.
[٧٩- ٨٠]
[سُورَة غَافِر (٤٠) : الْآيَات ٧٩ إِلَى ٨٠]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠)
انْتِقَالٌ مِنَ الِامْتِنَانِ عَلَى النَّاسِ بِمَا سَخَّرَ لِأَجْلِهِمْ مِنْ نِظَامِ الْعَوَالِمِ الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى، وَبِمَا مَنَحَهُمْ مِنَ الْإِيجَادِ وَتَطَوُّرِهِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَلْطَافِ بِهِمْ وَمَا أَدْمَجَ فِيهِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالتَّصَرُّفِ فَكَيْفَ يَنْصَرِفُ عَنْ عِبَادَتِهِ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِهِ آلِهَةً أُخْرَى، إِلَى الِامْتِنَانِ بِمَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنَ الْإِبِلِ لِمَنَافِعِهِمُ الْجَمَّةِ خَاصَّةٍ وَعَامَّةٍ، فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ سَادِسٌ.
وَالْقَوْلُ فِي افْتِتَاحِهَا كَالْقَوْلِ فِي افْتِتَاحِ نَظَائِرِهَا السَّابِقَةِ بِاسْمِ الْجَلَالَةِ أَوْ بِضَمِيرِهِ.
وَالْأَنْعَامُ: الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَالْمَعْزُ وَالْبَقَرُ. وَالْمُرَادُ هُنَا: الْإِبِلُ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ: وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً وَقَوْلِهِ: وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَكَانَتِ الْإِبِلُ غَالِبَ مَكَاسِبِهِمْ.
وَالْجَعْلُ: الْوَضْعُ وَالتَّمْكِينُ وَالتَّهْيِئَةُ، فَيُحْمَلُ فِي كُلِّ مَقَامٍ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ وَفَائِدَةُ الِامْتِنَانِ تَقْرِيبُ نُفُوسِهِمْ مِنَ التَّوْحِيدِ لِأَنَّ شَأْنَ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ الْمُنْعِمِ.
وَأُدْمِجَ فِي الِامْتِنَانِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى دَقِيقِ الصُّنْعِ وَبَلِيغِ الْحِكْمَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
يُرِيكُمْ آياتِهِ
[غَافِر: ٨١] أَيْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute