[سُورَة مَرْيَم (١٩) : آيَة ٦٤]
وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)
مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا غَرِيبٌ. فَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبْطَأَ أَيَّامًا عَنِ النُّزُولِ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ النَّبِيءَ وَدَّ أَنْ تَكُونَ زِيَارَةُ جِبْرِيلَ لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ يَزُورُهُ
فَقَالَ لِجِبْرِيلَ: «أَلَا تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا» . فَنَزَلَتْ: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ. أَيْ إِلَى قَوْلِهِ نَسِيًّا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ وَهُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا وَأَلْيَقُهُ بِمَوْقِعِهَا هُنَا. وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ جَوَابًا عَنْهُ، فَالنَّظْمُ نَظْمُ الْقُرْآنِ بِتَقْدِيرِ: وَقُلْ مَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ، أَيْ قُلْ يَا جِبْرِيلُ، فَكَانَ هَذَا خِطَابًا لِجِبْرِيلَ لِيُبَلِّغُهُ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا. فَالْوَاوُ عَاطِفَةُ فِعْلِ الْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ عَطْفَ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ مَعَ اخْتِلَافِ الْمُخَاطَبِ، وَأَمْرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا هُنَا، وَلِأَنَّهَا نَزَلَتْ لِتَكُونَ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ انْتِهَاءِ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَأُثْبِتَتِ الْآيَةُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي بَلَغَ إِلَيْهِ نُزُولُ الْقُرْآنِ.
وَالضَّمِيرُ لِجِبْرِيلَ وَالْمَلَائِكَةِ، أَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيئَهُ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ أَنَّ نُزُولَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَقَعُ إِلَّا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُمُ اخْتِيَارٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute