للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْإِرْشَادِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِنْذَارِ وَالْبِشَارَةِ. وَهَذَا أَحْسَنُ لِيَكُونَ لِتُنْذِرَ عِلَّةً لِلْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ صِفَتِهِ وَحَالِهِ.

وَالَّذِينَ ظَلَمُوا هُمُ الْمُشْرِكُونَ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَان: ١٣] وَيَلْحَقُ بِهِمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِذَلِكَ قُوبِلَ بِالْمُحْسِنِينَ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْأَتْقِيَاءُ لِأَنَّ الْمُرَادَ ظُلْمُ النَّفْسِ وَيُقَابِلُهُ الْإِحْسَانُ. وَالنِّذَارَةُ مَرَاتِبُ وَالْبِشَارَةُ مِثْلُهَا.

وبُشْرى عَطْفٌ عَلَى مُصَدِّقٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَهُوَ بُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ، أَيِ الْكِتَابُ، وَهَذَا النَّظْمُ يَجْعَلُ الْجُمْلَةَ بِمَنْزِلَةِ الِاحْتِرَاسِ وَالتَّتْمِيمِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ لِتُنْذِرَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ خطابا للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْصُلُ وصف الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ مُنْذِرٌ وَوَصْفُ كِتَابِهِ بِأَنَّهُ بُشْرى وَفِيهِ احْتِبَاكٌ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنِ الْكِتَابِ فَإِسْنَادُ الْإِنْذَار إِلَى الْكتاب مجَاز عَقْلِي.

[١٣، ١٤]

[سُورَة الْأَحْقَاف (٤٦) : الْآيَات ١٣ إِلَى ١٤]

إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ أُوثِرَ بِصَرِيحِهِ جَانِبُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُسْتَمِعِينَ لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا الْبُشْرَى تَطَلَّعُوا إِلَى صِفَةِ الْبُشْرَى وَتَعْيِينِ الْمُحْسِنِينَ لِيَضَعُوا أَنْفُسَهُمْ فِي حَقِّ مَوَاضِعِهَا، فَأُجِيبُوا بِأَنَّ الْبُشْرَى هِيَ نَفْيُ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ عَنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَأَنَّ الْمُحْسِنِينَ هُمُ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فِي أَعْمَالِهِمْ. وَأُشِيرَ بِمَفْهُومِهِ إِلَى التَّعْرِيضِ بِالَّذِينَ ظَلَمُوا فَإِنَّ فِيهِ مَفْهُومَ الْقَصْرِ مِنْ قَوْلِهِ: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ. وَتَعْرِيفُهُمْ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنْ تَعْلِيلِ كَرَامَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا حُسْنَ مُعَامَلَتِهِمْ لِرَبِّهِمْ بِتَوْحِيدِهِ وَخَوْفِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ إِلَى حُسْنِ مُعَامَلَتِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَهُوَ مَعْنَى ثُمَّ اسْتَقامُوا.