وَأَفَادَ تَرْكِيبُ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ قَصْرَ حَالَةِ عُمُومِ الرِّسَالَةِ عَلَى كَافِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: أَرْسَلْناكَ وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ دُونَ تَخْصِيصِ إِرْسَالِكَ بِأَهْلِ مَكَّةَ أَوْ بِالْعَرَبِ أَوْ بِمَنْ يَجِيئُكَ يَطْلُبُ الْإِيمَانَ وَالْإِرْشَادَ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْن سَلُولٍ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَ مَجْلِسًا هُوَ فِيهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَالَ ابْنُ أُبَيٍّ: «لَا أُحْسِنَ مِمَّا تَقُولُ
أَيُّهَا الْمَرْءُ وَلَكِنِ اقْعُدْ فِي رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ» ، وَيَقْتَضِي ذَلِكَ إِثْبَاتَ رِسَالَتِهِ بِدَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ إِذْ لَا يَصْدُقُ ذَلِكَ الْقَصْرُ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ أَصْلُ رِسَالَتِهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الْمُنْكِرِينَ كُلِّهِمْ سَوَاءً مَنْ أَنْكَرَ رِسَالَتَهُ مِنْ أَصْلِهَا وَمَنْ أَنْكَرَ عُمُومَهَا وَزَعَمَ تَخْصِيصَهَا.
وَمَوْقِعُ الِاسْتِدْرَاكِ بِقَوْلِهِ: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ رَفْعُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنِ اغْتِرَارِ الْمُغْتَرِّينَ بِكَثْرَةِ عَدَدِ الْمُنْكِرِينَ رِسَالَتَهُ بِأَنَّ كَثْرَتَهُمْ تَغُرُّ الْمُتَأَمِّلَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
وَمَفْعُولُ يَعْلَمُونَ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ، أَيْ لَا يَعْلَمُونَ مَا بَشَّرْتَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا أَنْذَرْتَ بِهِ الْكَافِرِينَ، أَيْ يَحْسَبُونَ الْبِشَارَةَ وَالنِّذَارَةَ غَيْرَ صَادِقَتَيْنِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فعل يَعْلَمُونَ منزّل مَنْزِلَةَ اللَّامِ مَقْصُودًا مِنْهُ نَفْيُ صِفَةِ الْعِلْمِ عَنْهُمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٩] أَيْ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ جَاهِلُونَ قَدْرَ الْبشَارَة والنذارة.
[٢٩، ٣٠]
[سُورَة سبإ (٣٤) : الْآيَات ٢٩ إِلَى ٣٠]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠)
كَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْكَرُوهُ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِيَامَةُ وَالْبَعْثُ وَلِذَلِكَ عَقَّبَ إِبْطَالَ قَوْلِهِمْ فِي إِنْكَارِ الرِّسَالَةِ بِإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى خبر لكِنَّ [سبأ: ٢٨] . وَالتَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ حَقَّ الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ وَيَتَهَكَّمُونَ فَيَسْأَلُونَ عَنْ وَقْتِ هَذَا الْوَعْدِ الَّذِي هُوَ مَظْهَرُ الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً وَالْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ.
وَضَمِيرُ يَقُولُونَ عَائِدٌ إِلَى الْمُحَاجِّينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ صَدَرَتْ عَنْهُمْ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute