وَالتَّسْوِيَةُ: تَقْوِيمُ الشَّيْءِ وَإِتْقَانُ الْخَلْقِ قَالَ تَعَالَى: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها [الشَّمْس:
٧] وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: فَخَلَقَ فَسَوَّى [الْقِيَامَة: ٣٨] . وَأُرِيدَ بِالتَّسْوِيَةِ إِعَادَةُ خَلْقِ الْبَنَانِ مُقَوَّمَةً مُتْقَنَةً، فَالتَّسْوِيَةُ كِنَايَةٌ عَنِ الْخَلْقِ لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُهُ فَإِنَّهُ مَا سُوِّيَ إِلَّا وَقَدْ أُعِيدَ خَلْقُهُ قَالَ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [الْأَعْلَى: ٢] .
وَالْبَنَانُ: أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَوْ أَطْرَافُ تِلْكَ الْأَصَابِعِ. وَهُوَ اسْمُ جَمْعِ بَنَانَةٍ.
وَإِذْ كَانَتْ هِيَ أَصْغَرَ الْأَعْضَاءِ الْوَاقِعَةِ فِي نِهَايَةِ الْجَسَدِ كَانَتْ تَسْوِيَتُهَا كِنَايَةً عَنْ تَسْوِيَةِ جَمِيعِ الْجَسَدِ لِظُهُورِ أَنَّ تَسْوِيَةَ أَطْرَافِ الْجَسَدِ تَقْتَضِي تَسْوِيَةَ مَا قَبْلَهَا كَمَا تَقُولُ: قَلَعَتِ الرِّيحُ أَوْتَادَ الْخَيْمَةِ كِنَايَةً عَنْ قَلْعِهَا الْخَيْمَةَ كُلَّهَا فَإِنَّهُ قَدْ يُكَنَّى بِأَطْرَافِ الشَّيْءِ عَنْ جَمِيعِهِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَكَ هَذَا الشَّيْءُ بِأَسْرِهِ، أَيْ مَعَ الْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ، كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِ الشَّيْءِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هُوَ لَكَ بِرُمَّتِهِ، أَيْ بِحَبْلِهِ الَّذِي يشد بِهِ.
[٥]
[سُورَة الْقِيَامَة (٧٥) : آيَة ٥]
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥)
بَلْ إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ إِلَى ذِكْرِ حَالٍ آخَرَ مِنْ أَحْوَالِ فُجُورِهِمْ، فَمَوْقِعُ الْجُمْلَةِ بَعْدَ بَلْ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِئْنَافِ الِابْتِدَائِيِّ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَعْنَى الْجُمْلَتَيْنِ، أَيْ لَمَّا دُعُوا إِلَى الْإِقْلَاعِ عَنِ الْإِشْرَاكِ وَمَا يَسْتَدْعِيهِ مِنَ الْآثَامِ وَأُنْذِرُوا بِالْعِقَابِ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانُوا مُصَمِّمِينَ عَلَى الْاسْتِرْسَالِ فِي الْكُفْرِ.
وَالْفُجُورُ: فِعْلُ السُّوءِ الشَّدِيدِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْكَذِبِ، وَمِنْهُ وُصِفَتِ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ
بِالْفَاجِرَةِ، فَيَكُونُ فَجَرَ بِمَعْنَى كَذَبَ وَزْنًا وَمَعْنًى، فَيَكُونُ قَاصِرًا وَمُتَعَدِّيًا مِثْلَ فِعْلِ كَذَبَ مُخَفَّفِ الذَّالِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَعْنِي الْكَافِرَ يُكَذِّبُ بِمَا أَمَامَهُ. وَعَنِ ابْنَ قُتَيْبَةَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَاحِلَةٍ وَشَكَا دُبُرَ رَاحِلَتِهِ فَاتَّهَمَهُ عُمَرُ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ:
مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَلَا دَبَرْ ... أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ
فَاغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرِِِِِِْ