الْمُسْتَفَادِ مِنْ جُمْلَةِ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ على الْقَصْرِ الْإِضَافِيِّ، وَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ، وَأَمَّا حَمْلُ الْقَصْرِ الْحَقِيقِيِّ ثُمَّ تَكَلُّفُ أَنَّهُ ادِّعَائِيٌّ فَلَا دَاعِيَ إِلَيْهِ.
وَإِتْبَاعُ صِفَةِ الْغَنِيُّ بِ الْحَمِيدُ تَكْمِيلٌ، فَهُوَ احْتِرَاسٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِهِمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَنِيًّا عَنِ اسْتِجَابَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ فَهُمْ مَعْذُورُونَ فِي أَنْ لَا يَعْبُدُوهُ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْحَمْدِ لِمَنْ عَبَدَهُ وَاسْتَجَابَ لِدَعْوَتِهِ كَمَا أَتْبَعَ الْآيَةَ الْأُخْرَى إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ [الزمر: ٧] بِقَوْلِهِ: إِلَى اللَّهِ كَمَا وَقَعَ الْغَنِيُّ فِي مُقَابلَة قَوْله: الْفُقَراءُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَيَّدَ فَقْرَهُمْ بِالْكَوْنِ إِلَى اللَّهِ قَيَّدَ غِنَى اللَّهِ تَعَالَى بِوَصْفِ الْحَمِيدُ لِإِفَادَةِ أَنَّ غِنَاهُ تَعَالَى مُقْتَرِنٌ بِجُودِهِ فَهُوَ يَحْمِدُ مَنْ يتَوَجَّه إِلَيْهِ.
[١٦، ١٧]
[سُورَة فاطر (٣٥) : الْآيَات ١٦ إِلَى ١٧]
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧)
وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْبَيَانِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: ١٥] مِنْ مَعْنَى قِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ مَعْنَى رِضَاهُ عَلَى مَنْ يَعْبُدُهُ فَهُوَ تَعَالَى لِغِنَاهُ عَنْهُمْ وَغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ لَوْ شَاءَ لَأَبَادَهُمْ وَأَتَى بِخَلْقٍ آخَرِينَ يَعْبُدُونَهُ فَخَلُصَ الْعَالَمُ مِنْ عُصَاةِ أَمْرِ اللَّهِ وَذَلِكَ فِي قُدْرَتِهِ وَلَكِنَّهُ أَمْهَلَهُمْ إِعْمَالًا لِصِفَةِ الْحِلْمِ.
فَالْمَشِيئَةُ هُنَا الْمَشِيئَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ، أَيْ أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِهْلَاكَهُمْ وَلَكِنَّهُ أَمْهَلَهُمْ، لَا أَصْلُ الْمَشِيئَةِ الَّتِي هِيَ كَوْنُهُ مُخْتَارًا فِي فِعْلِهِ لَا مُكْرِهَ لَهُ لِأَنَّهَا لَا يُحْتَاجُ إِلَى الْإِعْلَامِ بِهَا.
وَالْإِذْهَابُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِهْلَاكِ، أَيِ الْإِعْدَامِ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، أَيْ إِنْ يَشَأْ يُسَلِّطْ عَلَيْهِمْ مَوْتًا يَعُمُّهُمْ فَكَأَنَّهُ أَذَهْبَهُمْ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ لِأَنَّهُ يَأْتِي بهم إِلَى الدَّار الْآخِرَةِ.
وَالْإِتْيَانُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِحْدَاثِ نَاسٍ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ وَلَا مُتَرَقَّبًا وَجُودُهُمْ، أَيْ يُوجِدُ خَلْقًا مِنَ النَّاسِ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.
فَالْخَلْقُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لُقْمَان: ١١] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute