للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : الْآيَات ١٨ إِلَى ١٩]

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩)

هَذَا بَيَانٌ لِجُمْلَةِ مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي [الْإِسْرَاء: ١٥] وَهُوَ رَاجِعٌ أَيْضا إِلَى جملَة وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الْإِسْرَاء: ١٣] تَدْرِيجًا فِي التِّبْيَانِ لِلنَّاسِ بِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ مِنْ كَسْبِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ، فَابْتُدِئُوا بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَلْزَمَهُمْ تَبِعَةَ أَعْمَالِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ ثُمَّ وَكَلَ أَمْرَهُمْ إِلَيْهِم، وَأَن الْمُسِيء لَا يَضُرُّ بِإِسَاءَتِهِ غَيْرَهُ وَلَا يَحْمِلُهَا عَنْهُ غَيْرُهُ فَقَالَ:

مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ الْآيَة [الْإِسْرَاء: ١٥] . ثُمَّ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُمْ عَلَى غِرَّةٍ وَلَا يَأْخُذُهُمْ إِلَّا بِسُوءِ أَعْمَالِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ إِلَى قَوْلِهِ: خَبِيراً بَصِيراً [الْإِسْرَاء: ١٥- ١٧] . ثُمَّ كَشَفَ لَهُمْ مَقَاصِدَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ قِسْمَانِ:

قِسْمٌ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الدُّنْيَا فَكَانَتْ أَعْمَالُهُ لِمَرْضَاةِ شَهَوَاتِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّ الدُّنْيَا هِيَ قُصَارَى مَرَاتِعِ النُّفُوسِ لَا حَظَّ لَهَا إِلَّا مَا حَصَلَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ فَيَقْصُرُ عَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَقِسْمٌ عَلِمَ أَنَّ الْفَوْزَ الْحَقُّ هُوَ فِيمَا بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ فَعَمِلَ لِلْآخِرَةِ مُقْتَفِيًا مَا هَدَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَعْمَالِ بِوَاسِطَةِ رُسُلِهِ وَأَنَّ اللَّهَ عَامَلَ كُلَّ فَرِيقٍ بِمِقْدَارِ هِمَّتِهِ.

فَمَعْنَى كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ إِلَّا الْعَاجِلَةَ، أَيْ دُونَ الدُّنْيَا بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْحَصْرِ الْإِضَافِيِّ إِذْ لَيْسَ الْحَصْرُ الْإِضَافِيُّ سِوَى جُمْلَتَيْنِ إِثْبَاتٍ لِشَيْءٍ وَنَفْيٍ لِخِلَافِهِ. وَالْإِتْيَانُ بِفِعْلِ الْكَوْنِ هُنَا مُؤْذِنٌ بِأَنَّ ذَلِكَ دَيْدَنُهُ وَقُصَارَى هَمِّهِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ